للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالفريضةِ أخذَ ونَعِمَتِ الفريضةُ؛ فإنَّ الوضوء هوَ الفريضةُ، (ومن اغتسلَ فالغسل أفضلُ. أخرجه الخمسة، وحسَّنهُ الترمذيُّ). ومنْ صحَّحَ سماعَ الحسنِ من سَمُرةَ قال: الحديثُ صحيحُ، وفي سماعهِ منهُ خلافٌ.

والحديثُ دليلٌ على عدم وجوب الغسل، وهو كما عرفتَ دليلُ الجمهورِ على ذلكَ، وعلى تأويلِ حديثِ الإيجابِ، إلَّا أن فيهِ سؤالًا وهو: أنهُ كيفَ يُفَضَّلُ الغسلُ وهوَ سنَّةُ، على الوضوءِ، وهوَ فريضةٌ، والفريضةُ أفضلُ إجماعًا؟

والجوابُ: أنهُ ليسَ التفضيلُ على الوضوءِ نفسهِ بل على الوضوءِ الذي لا غسلَ معهُ، كأنهُ قالَ: منْ توضَأ واغتسلَ فهوَ أفضلُ ممن توضَأ فقط، ودلَّ لعدمِ [الفرضيةِ] (١) أيضًا حديثُ مسلم (٢): "منْ توضَّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ أتى الجُمعةَ، فاستمعَ وأنصتَ، غُفِرَ لهُ ما بينَ الجمعةِ إلى الجمعةِ وزيادةُ ثلاثةِ أيامٍ"، ولداودَ أن يقول: هوَ مقيَّدٌ بحديثِ الإيجابِ، فالدليلُ الناهضُ حديثُ سمرةَ وإنْ كان حديثُ الإيجابِ أصحَّ، فإنهُ أخرجهُ السبعةُ بخلافِ حديثِ سمرةَ، فلم يخرجهُ الشيخانِ، فالأحوطُ للمؤمنِ أنْ لا يتركَ [غسلَ] (٣) الجمعةِ.

وفي الهدي النبوي (٤): الأمرُ بالغسلِ يومَ الجمعةِ مؤكدٌ جدًّا، ووجوبهُ أقوى


(١) في (أ): الفريضة.
(٢) في "صحيحه" (٢/ ٥٨٨ رقم ٢٧).
قلت: وأخرج البخاري (٢/ ٣٨٥ رقم ٩٠٢)، ومسلم (٢/ ٥٨١ رقم ٨٤٧) عن عائشة؛ أنها قالت: كان الناس ينتابون الجمعةَ من منازلهم من العوالي، فيأتونَ في العباءِ، ويصيبهم الغبارُ، فتخرج منهم الريحُ. فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إنسانٌ منهم وهو عندي، فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أنكم تَطَهَّرتم ليومِكم هذا".
وأخرج مسلم (٢/ ٥٨٠ رقم ٤/ ٨٤٥) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما عمر بن الخطاب يخطبُ الناسَ يوم الجمعة، إذ دخل عثمانُ بنُ عفان، فعرَّض به عُمَرُ فقال: ما بالُ رجالٍ يتأخَّرون بعد النداءِ؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، ما زِدْتُ حين سمعتُ النداء أن توضأتُ، ثم أقبلتُ، فقال عمرُ: والوضوءَ أيضًا؟! ألم تسمعوا رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "إذا جاء أحدُكم إلى الجمعة فليغتسل".
وموضع الدلالة في الحديث أن عمر وعثمان ومن حضر الجمعة وهم الجمُّ الغفير أقرُّوا عثمان على ترك الغسل ولم يأمروه بالرجوع له، ولو كان واجبًا لم يتركه ولم يتركوا أمره بالرجوع له. قاله النووي في "المجموع" (٤/ ٥٣٥).
(٣) في (أ): الغسل يوم.
(٤) أي: "زاد المعاد في هدي خير العباد" (١/ ٣٧٦).