للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كانتْ خمسةً، إلَّا أن الثلاثةَ تختصُّ بكراهةِ أمرينِ: دفنِ الموتى، والصلاةِ. والوقتانِ الأوَّلانِ يختصانِ بالنهيِ عن الثاني منهمَا.

وقدْ وردَ تعليلُ النهي عنْ هذهِ الثلاثةِ في حديثِ ابن عَبَسَةَ عندَ منْ ذكرَ "بأنَّ الشمسَ عندَ طلوعِها تطلعُ بينَ قرني شيطانِ"، فيصلِّي لها الكفارُ، وبأنهُ عندَ قيامِ قائمِ الظهيرةِ تُسْجَر جهنمُ وتفتحُ أبوابُها، وبأنَّها تغربُ بينَ قرني شيطانٍ، ويصلِّي لها الكفارُ. ومعنى قولهِ: (قائمُ الظهيرةِ) قيامُ الشمسِ وقتَ الزوالِ، منْ قولهمْ قامتْ بهِ دابتُه وقفتْ، والشمسُ إذا بلغتْ وسطَ السماءِ أبطأتْ حركةُ الظلِّ إلى أنْ تزولَ فيتخيلُ الناظرُ المتأملُ أنَّها وقفتْ وهي سائرةٌ. والنهيُ عنْ هذه الأوقاتِ الثلاثةِ عامٌ بلفظهِ لفرضِ الصلاةِ ونفلِها. والنهيُ للتحريم كما عرفتَ مِنْ أنهُ أصلُه، وكذَا يحرمُ قبرُ الموتَى فيها، ولكنَّ فرضَ الصلاةِ أَخرجهُ [حديث] (١): "منْ نامَ عنْ صلاتهِ" (٢) الحديثُ. وفيهِ: "فوقتُها حينَ يذكُرُها"، ففي أيِّ وقتٍ ذكرَها، أو استيقظَ من نومهِ أتى بِهَا، وكذا مَنْ أدركَ ركعة قبلَ غروبِ الشمسِ، وقبلَ طلوعِها لا يحرمُ عليهِ بلْ يجبُ عليهِ أداؤُها في ذلكَ الوقتِ؛ فيخُصُّ النهيُ


(١) زيادة من (ب).
(٢) أخرجه البخاري (٢/ ٧٠ رقم ٥٩٧)، ومسلم (١/ ٤٧٧ رقم ٦٨٤)، والترمذي (١/ ٣٣٥ رقم ١٧٨)، وأبو داود (١/ ٣٠٧ رقم ٤٤٢)، والنسائي (١/ ٢٩٣ رقم ٦١٣)، وابن ماجه (١/ ٢٢٧ رقم ٦٩٦)، والدارمي (١/ ٢٨٠)، والبيهقي (٢/ ٢١٨)، وأحمد (٣/ ٢١٦، ٢٤٣، ٢٦٧، ٢٦٩، ٢٨٢) من طرق .. من حديث أنس.
قلت: وأخرج مسلم في "صحيحه": (١/ ٤٧١ رقم ٣٠٩/ ٦٨٠)، وأبو داود (١/ ٣٠٢ رقم ٤٣٥)، وأبو عوانة (٢/ ٢٥٣) والبيهقي (٢/ ٢١٧)، وابن ماجه (١/ ٢٢٧ رقم ٦٩٧) وغيرهم، عن أبي هريرة أن رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قفلَ من غزوةِ خيبر، سارَ ليلةً حتى إذا أَدْرَكَهُ الكرَى عَرَّسَ وقالَ لبلالٍ: "اكْلأْ لَنَا الليلَ" فصَلَّى بلالٌ ما قُدِّرَ، ونامَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُهُ. فَلَمَّا تقارَبَ الفجرُ استندَ بلالٌ إلى راحلتِهِ مواجهَ الفجر. فَغَلَبتْ بلالًا عيناهُ وهوَ مستندٌ إلى رَاحِلَتِهِ، فلم يستيقظْ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بلالٌ ولا أحَدٌ من أصحابهِ حتى ضربَتْهُمْ الشمسُ. فكانَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أوَّلَهُمُ استيقاظًا، ففزعَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أيْ بلالُ"، فقال بلالٌ: أخذ بنفسي الذي أخذَ - بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللَّهِ - بنفسِكَ. قال: "اقتادُوا" فاقتادوا رواحِلَهُم شيئًا. ثم توضَّأَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأمر بلالًا فأقامَ الصلاة، فصلَّى بهِمُ الصُّبْحَ. فلما قضى الصلاةُ، قال: "من نسي الصلاة فليُصَلِّها إذا ذكرَهَا، فإن الله قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} طه (١٤).