للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ: المرادُ أنهُ لمْ يجهرْ بها الثلاثةُ حالَ جهرِهمْ بالفاتحةِ بلْ يقرأونَها سرًا كما قررهُ المصنفُ. وقدْ أطالَ العلماءُ في هذهِ المسألةِ الكلامَ، وألَّفَ فيها بعضُ الأعلامِ، وبيَّنَ [على] (١) أن حديثَ أنسٍ مضَّطِربٌ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ في الاستذكارِ بعدَ سردهِ رواياتِ حديثِ أنسٍ هذه ما لفظهُ: هذَا الاضطرابُ لا تقومُ معهُ حجةٌ لأحدٍ منَ الفقهاءِ الذينَ يقرأونَ بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ، والذينَ لا يقرأونَهَا، وقدْ سُئِلَ عنْ ذلكَ أنسٌ فقالَ: كبرتْ سِنِّي ونسيتُ، انتهى، فلا حجةَ فيهِ. والأصلُ أن البسملةَ مِنَ القرآنِ، وأطالَ الجدالَ بينَ العلماءِ مِنَ الطوائفِ لاختلافِ المذاهبِ، والأقربُ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأُ بها تارةً جَهْرًا وتارةً يُخفيْها. وقد طولنا البحثَ في حواشي شرحِ العمدةِ (٢) بما لا زيادةَ عليهِ. واختارَ جماعةٌ منَ المحققينَ أنها مثلُ سائرِ آياتِ القرآنِ يجهرُ بها فيما يجهرُ فيهِ ويُسِرُّ بها فيما يُسِرُّ فيهِ. وأما الاستدلالُ بكونهِ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يقرأُ بها في الفاتحةِ، ولا في غيرِها في صلاتهِ على أنَّها ليستْ بآيةٍ، والقراءةُ بها تدلُّ على أنَّها آيةٌ فلا ينهضُ؛ لأنَّ تركَ القراءةِ بها في الصلاةِ لو ثبتَ لا يدلُّ على نفي قُرْآنِيَّتِها، فإنهُ ليسَ الدليلُ على القرآنيةِ الجهرُ بالقراءةِ بالآيةِ في الصلاةِ، بلِ الدليلُ أعمُّ منْ ذلكَ. وإذا انتفَى الدليلُ الخاصُّ لم ينتفِ الدليلُ العامُّ.

١٥/ ٢٦٦ - وَعَنْ نُعَيْمِ الْمُجْمِرِ، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَرَأَ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، حَتى إِذَا بَلَغَ (ولَا الضالين) قَالَ: "آمِينَ"، وَيَقُولُ كُلَّمَا سَجَدَ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الْجُلُوسِ: اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ يَقُولُ إِذَا سَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَد إِني لأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (٣)، وَابْنُ خُزَيْمَةَ (٤). [صحيح]


(١) زيادة من (أ).
(٢) (٢/ ٢٠٨ - ٢١٣).
(٣) في "السنن" (٢/ ١٣٤).
(٤) في "صحيحه" (رقم ٤٩٩).
قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ١٩٩)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: ١٨٤)، والدارقطني (١/ ٣٠٥ رقم ١٤)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٢٣٢)، والبيهقي (٢/ ٤٦)، وابن عبد البر في "الاستذكار" (٢/ ١٧٦).
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.=