للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وخبرُهما محذوفٌ، وفيهِ تقاديرُ أُخَرُ. (السَّلَامُ) أي: السلامُ الذي [يعرفه] (١) كلُّ أحدٍ. (عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) خصُّوهُ - صلى الله عليه وسلم - أولًا بالسلامِ عليهِ لعظمِ حقِّهِ عليْهمْ، وقدموهُ على التسليمِ على أنفسِهم لذلكَ، ثم أتبعوهُ بالسلامِ عليهمْ في قولِهمْ: (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ). وقد وردَ أنهُ يشملُ كلَّ عبدٍ صالحٍ في السماءِ والأرضِ، وفُسِّرَ الصالحُ بأنهُ القائمُ بحقوقِ اللَّهِ وحقوقِ عبادِه، ودرجاتُهم متفاوتةٌ. (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) لا مستحقَّ للعبادةِ بحقٍّ غيرُهُ؛ فهوَ قصرُ إفرادٍ لأنَّ المشركينَ كانُوا يعبدونهُ ويشركونَ معهُ غيرَهُ. (وَأَشْهَدُ أَن مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) هكذَا هو بلفظِ عبدِهِ ورسولِهِ في جميعِ رواياتِ الأمهاتِ الستِّ. ووهمَ ابنُ الأثيرِ في جامعِ الأصولِ (٢) فساقَ حديثَ ابن مسعودٍ بلفظِ: "وأنَّ محمدًا رسولُ اللَّهِ" ونسبَهُ إلى الشيخينِ وغيرِهما، وتبعهُ على وهْمِهِ صاحبُ تيسيرِ الوصولِ (٣)، وتبعَهُمَا على الوهمِ الجلالُ في ضوءِ النهارِ (٤)، وزادَ أنهُ لفظُ البخاريِّ، ولفظُ البخاريِّ كما قالهُ المصنفُ فتنبَّه، (ثمَّ لِيَتَخَيّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَاريِّ).

قالَ البزارُ (٥): "أصحُّ حديثٍ عندي في التشهد حديثُ ابن مسعودٍ، يُرْوَى عنهُ منْ نيفٍ وعشرينَ طريقًا، ولا نعلمُ رُوِيَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التشهدِ أثبتُ منهُ، ولا أصحُّ إسنادًا، ولا أثبتَ رجالًا، ولا أشدَّ تضافرًا بكثرةِ الأسانيدِ والطرقِ. وقالَ مسلمٌ: إنَّما أجمع الناسُ على تشهدِ ابن مسعودٍ لأنَّ أصحابَهُ لا يخالفُ بعضُهم بعضًا، وغيرهُ قدِ اختلفَ عنهُ أصحابهُ. وقالَ محمدُ بنُ يحيى الذهلي: هوَ أصح ما رُوِيَ في التشهدِ". وقدْ رَوَى حديثَ التشهدِ أربعةٌ وعشرونَ صحابيًا بألفاظٍ مختلفةٍ، اختارَ الجماهيرُ منْها حديثَ ابن مسعودٍ. والحديثُ فيهِ دلالةٌ على وجوبِ التشهدِ لقولهِ: "فليقلْ"، وقدْ ذهبَ إلى وجوبهِ أئمةٌ منَ الآلِ وغيرُهم منَ العلماءِ. وقالتْ طائفةٌ: إنهُ غيرُ واجبٍ لعدمِ تعليمهِ - صلى الله عليه وسلم - المسيءَ صلاتِهِ. ثمَّ اختلفُوا في الألفاظِ التي تجبُ عندَ مَنْ أَوْجَبَهُ أوْ عندَ مَنْ قالَ إنهُ سنةٌ. وقدْ سمعتَ [أرجحية] (٦) حديثٍ ابن مسعودٍ، وقدِ اختارهُ الأكثرُ فهوَ الأرجحُ. وقدْ


(١) في (ب): "يعرف".
(٢) (٥/ ٣٩٦).
(٣) (٢/ ٢٨٨) ط: دار الفكر.
(٤) (١/ ٥٠٨).
(٥) ذكره ابن حجر في "التلخيص" (١/ ٢٦٤).
(٦) في (أ): "راجحية".