للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالمثناتينِ التحتَّيتين، (وَلَمْ يَجْلِسْ) هوَ تأكيدٌ لقامَ مِنْ "بابِ أقولُ لهُ ارحلْ لا تقيمنَّ عندنَا". (فَقَامَ النَّاسُ مَعَه حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهَوَ جَالِسٌ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْن قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. أَخْرَجَه السَّبْعَة، وَهَذَا اللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ).

الحديثُ دليلٌ على أن تركَ التشهدِ الأولِ سهوًا يجبرهُ سجودُ السهوِ، وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي" (١) يدلُّ على وجوبِ التشهدِ الأولِ، وجبرانُهُ هنا عندَ تركِهِ دلَّ على أنهُ وإنْ كانَ واجبًا فإنهُ [يُجْبَرُ بسجودِ] (٢) السهوِ، والاستدلالُ على عدمِ وجوبهِ بأنهُ لو كانَ واجبًا لما جَبَرَهُ [سجود السهو] (٣)؛ إذْ حقَّ الواجبِ أنْ يفعلَ بنفسهِ لا يتمُّ إذْ يمكنُ أنهُ كما قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ واجبُ، ولكنهُ إنْ تُرِكَ سهوًا جبرَهُ سجودُ السهوِ، وحاصلُهُ أنهُ لا يتمٌّ الاستدلالُ على عدمِ وجوبِهِ حتَّى يقومَ الدليلُ أن كلَّ واجبٍ لا يجزئُ عنهُ سجودُ السهوِ إنْ تُرِكَ سهوًا، وقولُهُ: "كبَّر" دليلٌ على شرعيةِ تَكبيرةِ الإحرامِ لسجودِ السهوِ، وأنَّها غيرُ مختصةٍ بالدخولِ في الصلاةِ، وأنهُ يُكَبِّرُها وإنْ كانَ لمْ يخرجْ منْ صلاتِهِ بالسلامِ منْها. وأما تكبيرةُ النقل فلمْ تذكرْ هنَا، ولكنَّها ذكرتْ في قولهِ: (وَفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ) أيْ: عنْ عبدِ اللَّهِ بن بحينةَ (يُكَبِّرُ فِي كلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِس، ويَسْجُد وَيَسْجُدُ النَّاسُ مَعَهُ) فيهِ دليلٌ على شرعيةِ تكبيرِ النَّقْلِ كما سلفَ في الصلاةِ. وقولُهُ: (مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ) كأنهُ عرفَ الصحابيُّ ذلكَ منْ قرينةِ الحالِ، فهذَا لفظٌ مدرجٌ (٤) منْ كلامِ الراوي، ليسَ حكايةً لفعلهِ - صلى الله عليه وسلم - الذي شاهدَهُ، ولا لقولهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ فيهِ دليلٌ على أن محلَّ مثلِ هذَا السجودِ قبلَ السلامِ، ويأتي [ما يخالف هذا] (٥) والكلامُ عليهِ. وفي روايةِ مسلمٍ دلالةٌ على وجوبِ متابعةِ الإمامِ. وفي الحديثِ دلالةٌ أيضًا على وجوبِ متابعتهِ وإنْ تركَ ما هذَا حالهُ، فإنهُ - صلى الله عليه وسلم -


(١) وهو حديث صحيح وقد تقدَّم مرارًا.
(٢) في (أ): "يجبره سجود".
(٣) في (ب): "السجود".
(٤) المُدْرَج: هو زيادة الراوي الصحابي فمن دونه في متن الحديث وسنده، يحسبها من يروي الحديث أنها منه - لعدم فصلها عن الحديث - وليست منه.
انظر: "الباعث الحثيث شرح اختصار الحديث" لابن كثير. تأليف أحمد محمد شاكر "ص ٦٩ - ٧٣".
(٥) في (ب): "ما يخالفه".