للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قلتُ: ولا يخفَى أنهُ لا يطابقُ قولَهُ: "أنْ تفرضَ عليكمْ صلاةُ الليلِ" كما في البخاري (١)، فإنهُ ظاهرٌ أنهُ خشيةَ فرضِها مطلقًا، وكانَ ذلكَ في رمضانَ فدلَّ على أنهُ صلَّى بهم ليلتينِ. وحديثُ الكتابِ أنهُ صلَّى بهمْ ليلةً واحدةً في روايةِ أحمدَ (٢): "إنهُ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بهمْ ثلاثَ ليالٍ وغصَّ المسجدُ بأهلهِ في الليلةِ الرابعةِ"، وفي قولهِ: "خشيتُ أنْ يكتبَ عليكمُ [الوترّ] " (٣)، دلالةٌ على أن الوترَ غيرُ واجبٍ.

واعلم أن مَنْ أثبتَ صلاةَ التراويحِ وجعلها سنةً في قيامٍ رمضانَ استدلَّ بهذا الحديثِ على ذلكَ، وليسَ فيه دليلٌ على كيفيةِ ما يفعلونهُ ولا كميّتهِ، فإنَّهم يصلونَها جماعةً عشرين [ركعةً] (٤) يتروَّحونَ بينَ كلِّ ركعتينِ. فأمّا الجماعةُ فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى بهم جماعة، ثم ترك خشية أن يفرض عليهم، ثم إن أولُ مَنْ جَمَعَهُمْ على إمام عمر (٥)، وقال: "إنها بدعةٌ" كما أخرجهُ مسلمٌ (٦) في صحيحهِ، وأخرجهُ (٧) غيرُهُ من حديثِ أبي هريرةَ: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كانَ يرغِّبهُم في قيامِ رمضانَ من غيرِ أنْ يأمُرَهُمْ فيهِ بعزيمةٍ فيقول: "مَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذَنْبِهِ"، قال: وتُوُفِّيَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والأمرُ على ذلكَ، وفي خلافةِ أبي بكرٍ


(١) (رقم ٦٩٦ - البغا) من حديث عائشة.
(٢) (٥/ ٦ - ٧ رقم: ١١٠٨ - الفتح الرباني) من حديث عائشة.
(٣) زيادة من (ب).
(٤) زيادة من (أ).
(٥) قلت: بل صلاتها جماعة مشروعة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري (٢٠١٢)، ومسلم (١٧٨):
عن عائشة رضي الله عنها أخبرت أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ ليلةً من جوفِ الليلِ فصلّى في المسجد وصلّى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدّثوا فاجتمع أكثرُ منهم، فصلَّى فصلُّوا معَهُ، فأصبحَ الناسُ فتحدَّثُوا فكثرَ أهلُ المسجد من الليلة الثالثةِ، فخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فصلَّى بصلاتهِ، فلما كانت الليلةُ الرابعةُ عجزَ المسجدُ عن أهلهِ حتى خرج لصلاةِ الصبح، فلما قضى الفجر أقبلَ على الناسِ فتشهدَ ثم قال: "أما بعدُ فإنهُ لم يَخْفَ عليَّ مكانكم، ولكني خشيتُ أن تفرضَ عليكم فتعجزوا عنها، فتوفّي رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والأمرُ على ذلك".
(٦) قلت: بل أخرجه البخاري في "صحيحه" (٤/ ٢٥٠ رقم ٢٠١٠) عن عبد الرحمن بن عبد القاريِّ، وكذلك أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ١١٤ رقم ٣)، والبغوي في "شرح السنة" (٤/ ١١٨ رقم ٩٩٠).
(٧) البخاري (٢٠٠٩)، ومسلم (١٧٤/ ٧٥٩)، ومالك (١/ ١١٣ رقم ٢)، وأبو داود (١٣٧١)، والترمذي (٨٠٨) وغيرهم.