للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذهبَ الشافعيُّ (١) إلى أنَّها تصحُّ صلاةُ القائمِ خلفَ القاعدِ، ولا يتابعُهُ في القعودِ، قالُوا: لصلاةِ أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مرضِ موتهِ قيامًا حينَ خرجَ وأبو بكرٍ قد افتتحَ الصلاةَ فقعدَ عن يسارِهِ (٢)، فكانَ ذلكَ ناسخًا لأمرهِ - صلى الله عليه وسلم - لهمْ بالجلوسِ في حديثٍ أبي هريرةَ، فإنَّ ذلكَ كانَ في صلاتهِ حينَ جحشَ وانفكتْ قدمُهُ، فكانَ هذا آخرَ الأمرينِ فتعيَّنَ العملُ بهِ، كذا قرّرهُ الشافعيُّ.

وأجيب: بأنَّ الأحاديثَ التي أمرَهم فيها بالجلوسِ لم يختلفْ في صحتِها، ولا في سياقِها. وأما صلاتُه - صلى الله عليه وسلم - في مرضِ موتهِ فقدِ اختُلِفَ فيها: هل كانَ إمامًا أو مأمومًا؟ والاستدلالُ بصلاتهِ في مرضِ موتهِ لا يتمُّ إلَّا على أنهُ كانَ إمامًا.

(ومنها): أنهُ يحتملُ أن الأمرَ بالجلوسِ للندبِ، وتقريرُ القيامِ قرينةٌ على ذلكَ، فيكونُ هذا جمعًا بين الروايتينِ خارجًا عن المذهبينِ جميعًا؛ لأنهُ يقتضي التخييرَ للمؤتمِّ بينَ القيامِ والقعودِ.

(ومنها): أنهُ قد ثبتَ فعلُ ذلكَ عن جماعةٍ من الصحابةِ بعدَ وفاتهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهم أمُّوا قعودًا ومن خَلْفَهم قعودًا أيضًا، مِنْهم: أسيدُ بنُ حضير (٣)، وجابر (٤)، وأفتَى به أبو


(١) انظر: "المجموع" (٤/ ٢٦٤ - ٢٦٦).
(٢) يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (٢/ ١٦٦ رقم ٦٨٣)، ومسلم (٩٧/ ٤١٨) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكرٍ أن يُصلِّي بالناسِ في مرضهِ، فكان يُصلِّي بهم. قال عروةُ: فوجدَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في نفسهِ خِفَةً فخرج، فإذا أبو بكر يؤم الناس، فلما رآهُ أبو بكر استأخرَ، فأشارَ إليه أنْ كما أنتَ، فجلسَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حذاءَ أبي بكر إلى جنبهِ، فكان أبو بكر يُصلّي بصلاةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، والناسُ يصلون بصلاة أبي بكر".
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٢/ ٣٢٦ - ٣٢٧) من طريق عبد الله بن هبيرة عن أسيد، بإسناد صحيح.
وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (٤/ ٢٠٦ رقم ٢٠٤٥) من طريق بشير بن يسار عن أسيد، بإسناد صحيح.
وقال ابن حجر في "الفتح" (٢/ ١٧٦): رواه ابن المنذر بإسناد صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢/ ٤٦٢ رقم ٤٠٨٥) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أسيد.
وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (٤/ ٢٠٦ - ٢٠٧ رقم ٢٠٤٦) من طريق كثير بن السائب عن أسيد.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٢/ ٣٢٦)، وابن المنذر في "الأوسط" (٤/ ٢٠٦ رقم ٢٠٤٣) عنه بإسناد صحيح.