للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١١/ ٤٢٤ - "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبكَ: أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ" (١). [صحيح]

(وعن أبي هريرةَ في الصحيحينِ مرفوعًا: إذا قلتَ لصاحبِكَ أنصتْ يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطبُ، فقدْ لغوتَ)، في قوله: "يَومَ الجمعةِ" دلالةٌ على أن خطبةَ غيرِ الجمعةِ ليستْ مثلَها يُنْهَى عن الكلامِ حالَها، وقولُه: "والإمامُ يخطبُ" دليل على أنهُ يختصُّ النهيُ بحالِ الخطبةِ، وفيهِ ردٌّ على مَنْ قالَ: إنهُ يُنْهَى عن الكلامِ من حالِ خروجِ الإمامِ. وأمّا الكلامُ [حالَ] (٢) جلوسِه بينَ الخطبتينِ فهوٍ غير خاطبٍ، فلا يُنْهَى عن الكلامِ حالَه، وقيلَ: هوَ وقتٌ يسيرٌ يُشَبَّهُ بالسكوتِ للتنفسِ فهوَ في حكمِ الخاطب، وإنَّما شبَّههُ بالحمارِ يحملُ أسفارًا لأنهُ فاتهُ الانتفاعُ بأبلغ نافعٍ، وقدْ تكلَّفَ المشقةَ وأتعبَ نفسهُ في حضورِ الجمعةِ، والمشبَّهُ بهِ كذلكَ فاتَهُ الانتفاعُ بأبلغِ نافعٍ معَ تحمُّلِ التعبِ في استصحابهِ.

وفي قولهِ: "ليستْ لهُ جمعةٌ" دليلٌ على أنهُ لا صلاةَ لهُ، فإنَّ المرادَ بالجمعةِ الصلاةُ، إلَّا أنَّها تجزئُهُ إجماعًا، فلا بدَّ من تأويلِ هذَا بأنهُ نفيٌ للفضيلةِ التي يحوزُها مَنْ أنصتَ، وهوَ كما في حديثِ ابن عمرَ الذي أخرجهُ أبو داودَ (٣)، وابنُ خزيمةَ (٤) بلفظِ: "مَنْ لغا وتخطَّى رقابَ الناسِ كانتْ لهُ ظُهرًا"، قال ابنُ وهبٍ، أحدُ رواتهِ: معناهُ أجزأتْهُ الصلاةُ وحُرِمَ فضيلةَ [الجماعةِ] (٥).

وقدِ احتَجَّ بالحديثِ مَنْ قال بحرمةِ الكلامِ حالَ الخطبةِ، وهمُ الهادويةُ، وأبو حنيفةَ، ومالكٌ، وروايةٌ عن الشافعي، فإنَّ تشبيهَهُ بالمشبهِ بهِ المستنكرِ، وملاحظةَ وجهِ الشبهِ يدلُّ على قبحِ ذلكَ، وكذلكَ نسبتُه إلى فواتِ الفضيلةِ الحاصلةِ بالجمعةِ ما ذاكَ إلَّا لما يلحقُ المتكلمَ مِنَ الوزرِ الذي يقاومُ الفضيلةَ مُحبطًا لها، وذهبَ القاسمُ، وابنا الهادي، وأحدُ قولَيْ أحمدَ والشافعي إلى


(١) وهو حديث صحيح، تقدَّم تخريجه في الحديث (١٠/ ٤٢٣) الذي تقدَّم.
(٢) في (ب): "عند".
(٣) في "السنن" (١/ ٢٤٧ رقم ٣٤٧).
(٤) في "صحيحه" (٣/ ١٥٦ رقم ١٨١٠) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو حديث صحيح.
(٥) في (أ): "الجمعة".