للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد نُقِلَ الإجماعُ على عدمِ وجوبِ الخطبةِ في العيدينِ، ومستندهُ ما أخرجهُ النسائيُّ (١)، وابنُ ماجهْ (٢)، وأبو داودَ (٣) من حديثِ عبدِ اللهِ بن السائبِ، قالَ: شهدتُ معَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - العيدَ فلما قضَى صلاتَهُ قالَ: "إنا نخطبُ، فمن أحبَّ أن يجلسَ للخطبةِ فليجلسْ، ومن أحبَّ أنْ يذهبَ فليذهبْ"، فكانتْ غيرَ واجبةٍ، فلوْ قدَّمها لم تشرعْ إعادتُها وإنْ كانَ فاعلًا خلافَ السنةِ.

وقد اختُلِفَ مَنْ أولُ مَنْ خَطَبَ قبلَ الصلاةِ: ففي مسلمٍ (٤) أنهُ مروانُ، وقيلَ: سبقَهُ إلى ذلكَ عثمانُ، كما رواهُ ابنُ المنذرِ (٥) بسندٍ صحيحٍ إلى الحسنِ البصري، قال: "أولُ مَنْ خطب قبلَ الصلاةِ عثمانُ، أي: صلاةِ العيدِ"، وأمّا مروانُ فإنهُ إنما قدَّمَ الخطبةَ، لأنهُ قالَ لما أنكرَ عليه أَبو سعيدٍ؛ إنَّ الناسَ لم يكونُوا يجلسونَ لنا بعدَ الصلاةِ، قيلَ: إنَّهم كانُوا يتعمّدونَ تركَ سماع خطبته لما فيها من سبِّ مَنْ لا يستحقُّ السبَّ، والإفراطِ في بعضِ مدحِ الناسِ. وقد روى عبدُ الرزاقِ (٦) عن ابن جريجٍ، عن الزهريّ، قالَ: "أولُ مَنْ أحدثَ الخطبة قبلَ الصلاةِ في العيدِ معاويةُ".

وعلى كلِّ تقديرٍ فإنهُ بدعةٌ مخالفٌ لهديهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقد اعتُذِرَ لعثمانَ بأنهُ كثرَ الناسُ في المدينةِ وتناءتِ البيوتُ، فكانَ يقدمُ الخطبةَ ليدركَ مَنْ بَعُدَ منزلُه الصلاةَ، وهوَ رأيٌ مخالفٌ لهديهِ - صلى الله عليه وسلم -.


(١) في "السنن" (٣/ ١٨٥).
(٢) في "السنن" (١/ ٤١٠ رقم ١٢٩٠).
(٣) في "السنن" (١/ ٦٨٣ رقم ١١٥٥) قال أَبو داود: هذا مرسل عن عطاء عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تحقيق "جامع الأصول" (٦/ ١٤٢)، وفيه أيضًا عنعنة ابن جريج.
وقال الألباني في "الإرواء" (٣/ ٩٧): "كل روايات ابن جريج عن عطاء محمولة على السماع إلّا ما تبيّن تدليسه فيه" اهـ.
كما ردّ ابن التركماني (٣/ ٣٠١ - بهامش السنن الكبرى) على كلام أَبي داود بكلام متين ونقد مبين، فلذا فالحديث صحيح كما قال الحاكم (١/ ٢٩٥) ووافقه الذهبي.
(٤) (٢/ ٦٠٥ رقم ٩/ ٨٨٩) من حديث أَبي سعيد الخدري.
(٥) في "الأوسط" (٤/ ٢٧٢ - ٢٧٣ رقم ٢١٥١). وذكره الحافظ في "الفتح" (٢/ ٤٥١) وقال: رواه ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري.
(٦) في "المصنف" (٣/ ٢٨٤ رقم ٥٦٤٦).