للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واختلفَ العلماءُ في اللفظينِ هلْ يستعملانِ في الشمسِ والقمرِ، أو يخصُّ كلُّ لفظٍ بواحدٍ منهما. وقد ثبتَ في القرآن نسبةُ الخسوفِ إلى القمرِ، ووردَ في الحديثِ خسفتْ الشمسِ كما ثبتَ فيهِ نسبةُ الكسوفِ [إليهما] (١)، وثبتَ استعمالُهما منسوبينِ إليهمَا فيقالُ فيهمَا: الشمسُ والقمرُ ينخسفانِ وينكسفانِ، إنَّما الذي لم يردْ في [الأحاديث] (٢) نسبةُ الكسوفِ إلى القمرِ على جهةِ الانفرادِ، وعلى هذا يدلُّ استعمالُ الفقهاءِ، فإنَّهم يخصُّونَ الكسوفَ بالشمسِ والخسوفَ بالقمرِ، واختارُه ثعلبٌ. وقالَ الجوهريُّ (٣): إنهُ أفصحُ. وقيلَ: يقالُ بهمَا في كلٍّ منهما.

والكسوفُ لغةً التغيرُ إلى السوادِ، والخسوفُ النقصانُ، وفي ذلكَ أقوالٌ أُخَرُ، وإنَّما قالُوا: إنَّها كُسِفَتْ لموتِ إبراهيمَ لأنَّها كسفتْ في غيرِ يومِ كسوفِها المعتادِ، فإنَّ كسوفَها في العاشرِ أو الرابعِ لا يكادُ يتفقُ، فلِذَا قالُوا: إنَّما هوَ لأجلِ هذا الخطبِ العظيمِ، فردَّ عليهمْ - صلى الله عليه وسلم - ذلكَ، وأخبرَهم أنَّهما علامتانِ مِنَ العلاماتِ الدالَّةِ على وحدانيةِ اللَّهِ تعالى وقدرتهِ، وعلى تخويفِ عبادِهِ من بأسِهِ وسَطْوتِهِ. والحديثُ مأخوذٌ من قولهِ تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (٤).

وفي قولهِ: "لحياتهِ" معَ أنَّهم لم يدَّعُوا ذلكَ بيانُ أنهُ لا فرقَ بين الأمرينِ، فكما أنَّكمْ لا تقولونَ بكسوفِهما لحياةِ أحدٍ كذلكَ لا يكسفانِ لموتهِ، أوْ كانَّ المرادَ من حياتهِ صحتُه من مرضهِ وخوِهِ، ثمَّ ذكرَ القمرَ معَ أن الكلامَ خاصٌّ بكسوفِ الشمسِ زيادة في الإفادةِ والبيانِ أن حكمَ النيِّرينِ واحدٌ في ذلكَ، ثمَّ أرشدَ العبادَ إلى ما [شُرعَ] (٥) عندَ رؤيةِ ذلكَ منَ الصلاةِ والدعاءِ ويأتي صفةُ الصلاةِ.

والأمرُ دليلُ الوجوبِ، إلَّا أنهُ حملهُ الجمهورُ على أنهُ سنةٌ مؤكّدةٌ لانحصارِ الواجباتِ في الخمسِ الصلواتِ، وصرّحَ أَبو عوانةَ في صحيحهِ (٦) بوجوبِها، ونُقِلَ عن أَبي حنيفةَ (٧) أنهُ أوجبَها، وجعلَ - صلى الله عليه وسلم - غايةَ وقتِ الدعاءِ والصلاةِ انكشافَ


(١) في (أ): "إليها".
(٢) في (أ): "الحديث".
(٣) في "الصحاح" (٤/ ١٤٢١).
(٤) سورة الإسراء: الآية ٥٩.
(٥) في (ب): "يشرع".
(٦) (٢/ ٣٦٦).
(٧) انظر: "بدائع الصنائع" (١/ ٢٨٠).