للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في الذي سقطَ عن راحلتهِ [فماتَ]) (١) [و] (٢) ذلك وهوَ واقفٌ بعرفةَ على راحلتهِ كما في البخاريِّ: (اغسلوهُ بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوهُ في ثوبيهِ. متفقٌ عليهِ). تمامُه: "ولا تحنِّطُوهُ، ولا تخمِّرُوا رأسَهُ"، وبعدَهُ في البخاريِّ: "فإنهُ يبعثُ يومَ القيامةِ ملبّيًا".

الحديثُ دليلٌ على وجوبِ غسلِ الميتِ؛ قالَ النوويُّ (٣): الإجماعُ على أن غسلَ الميتِ فرضُ كفايةٍ. قالَ المصنفُ بعدَ نقلهِ في الفتحِ: وهوَ ذهولٌ شديد؛ فإنَّ الخلافَ فيهِ مشهورٌ عندَ المالكيةِ حتَّى إنَّ القرطبيَّ رجَّحَ في شرحِ مسلمٍ أنهُ سنةٌ، ولكنَّ الجمهورَ على وجوبهِ. وقد ردَّ ابنُ العربي على مَنْ لمْ يقلْ بذلكَ. وقالَ: قد تواردَ القولُ والعملُ وغسلُ الطاهرِ المطهّرِ، فكيفَ بمنْ سواهُ، ويأتي كمّيةُ الغسلاتِ في حديثِ أمِّ عطيةَ قريبًا (٤). وقولُه: "بماءٍ وسدرٍ"، ظاهرُه أنهُ يخلطُ السدرُ بالماءِ في كلِّ مرةٍ من مراتِ الغسلِ. قيلَ: وهوَ يُشعرُ بأنَّ غسل الميتِ للتنظيفِ لا للتطهيرِ؛ لأنَّ الماءَ المضافَ لا يُتَطَهَّرُ بهِ. قيلَ: وقدْ يقالُ: يحتملُ أن السدرَ لا يغيرُ وصفَ الماءِ فلا يصيرُ مضافًا، وذلكَ بأنْ يمعَكَ بالسدرِ، ثمَّ يغسلُ بالماءِ في كلِّ مرةٍ. وقالَ القرطبيُّ: يجعلُ السدرُ في ماءٍ ثمَّ يخضخضُ إلى أن تخرجَ رغوتُه، ويدلكَ بهِ جسدُ الميتِ، ثمَّ يصبَّ عليهِ الماءُ القُراحُ، هذهِ غسلَةٌ. وقيلَ: لا يطرحُ السدرُ في الماءِ، أي: لئلا يمازجَ الماءَ فيُغَيِّرَ وصفَ الماءِ المطلقِ.

وتمسَّكَ بظاهرِ الحديثِ بعضُ المالكيةِ فقالَ: غسلُ الميتِ إنَّما هو للتنظيفِ، فيجزئُ الماءُ المضافُ كماءِ الوردِ ونحوِه. وقالُوا: إنَّما يكرهُ لأجلِ السرفِ. والمشهورُ عندَ الجمهور أنهُ غسلٌ تعبديٌّ يشترطُ فيهِ ما يشترطُ في الاغتسالاتِ الواجبةِ والمندوبةِ.

وفي الحديثِ النهيُ عن تحنيطهِ، ولم يذكرْهُ المصنفُ كما عرفتَ. وتعليلُه بأنهُ يبعثُ ملبّيًا يدلُّ على أن علةَ النهي كونُه ماتَ محرِمًا، فإذا انتفتِ العلةُ انتفى النهيُ، وهو يدلّ على أن الحنوط للميت كان أمرًا متقرّرًا عندهم.


(١) كلمة (فمات) زائدة من في (أ).
(٢) في (أ): "وكان".
(٣) في "المجموع" (٥/ ١٢٨).
(٤) رقم (١٢/ ٥١١).