للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى أناس دماء رجال وأموالهم" (١)، فما أكثر الذين يدعون ذلك! ما أكثر الذين يغمطون (٢) الحق ويريدون أن يأخذوا أموال الناس! وربما يكون الدافع عند بعض الناس هو الحسد، ولذلك يقول الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤)} [النساء: ٥٤].

والحسد نار تتأجج في صدر صاحبه، ولذلك كان الجاحظ في كتابه الأدبي المعروف يقول: " الحسد يفسد الجسد" … ثم جاء بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء " (٣).

فإذا ما امتلأ قلب العبد بالحسد والبغضاء، فإنه جحيم يشتعل في صدره، يريد أن يخرج تلك النار، فيضرّ بها الآخرين، لكن المسلم الحق إذا رأى أخاه في نعيم، فإنه يحمد الله - سبحانه وتعالى -، وأيضًا في الوقت نفسه يسأل الله تعالى أن يعطيه من الفضل الذي أعطاه ذلك الآخر، ولا يحسده.

قوله: (فَمَنْ قَالَ: هَذَا الحُكْمُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا العُمُومِ خُصُوصًا - قَالَ: لَا يَثْبُتُ بِاليَمِينِ حَقٌّ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقٌّ ثَبَتَ (٤). وَمَنْ قَالَ: إِنَّمَا خُصَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الحُكْمِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ أَقْوَى شُبْهَةً - قَالَ: إِذَا اتُّفِقَ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعٌ تَكُونُ فِيهِ شُبْهَةُ


(١) تقدم تخريجه.
(٢) غمط الحق: جحده. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (٧/ ٣٦٤).
(٣) أخرجه الترمذي (٢٥١٠)، وحسنه الألباني في " تخريج مشكلة الفقر" (٢٠/ التحقيق الثاني).
(٤) وهو مذهب الحنفية، يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٦/ ٢٢٥)؛ حيث قال: " البينة حجة المدعي، واليمين حجة المدعى عليه، والمعقول كذلك؛ لأن المدعي يدعي أمرًا خفيًّا، فيحتاج إلى إظهاره، وللبينة قوة الإظهار؛ لأنها كلام من ليس بخصم، فجعلت حجة المدعي ".
ومذهب الحنابلة الحكم بالنكول، ولا ترد اليمين، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٦/ ٣٣٩)، حيث قال: " (ولا ترد اليمين على المدعي)؛ لما تقدم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>