للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن الحلف بالله كاذبًا هذا يعتبر معصيةً، ولكن أن يحلف بغير الله، هذا شرك، ولا شك أن الشرك أخطر، ولذلك ثبت أيضًا في الحديث: " لا تحلفوا بآبائكم " (١)، وفي الحديث الآخر: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت " (٢).

فما أكثر الذين يحلفون بآبائهم أو بأمهاتهم أو بشرف فلان أو بالنبي، أو غير ذلك، هذه كلها لا تجوز؛ لأن الحلف لا يجوز إلا بالله أو بصفة من صفاته، أو باسم من أسمائه، هذا الذي ينبغي أن يفعله المسلم، فإنه مهما عظمت مكانة الإنسان، سواء كانت تلك المنزلة عظيمة عند الله تعالى كالحال بالنسبة للأنبياء، أو كانت أيضًا عظيمة عند الناس بالنسبة لمقام هذا الشخص، بأن يكون ذا مكانة وشرف وعز، فلا يجوز أن يحلف بذلك الشخص؛ لأن الحلف معناه التعظيم، والذي يستحق أن يعظم، والذي يستحق أن يرفع هو الله - سبحانه وتعالى -، ولذلك من حلف بغير الله فقد نقل حكمًا من الأحكام الخاصة بالله - سبحانه وتعالى - إلى غيره، وذلك لا يجوز، ولذلك لا ينبغي أن يتساهل في هذا الأمر، فكثير من الناس يقول مثلًا: والنبي، فإذا قلت له وبينت له يجيبك بالكلام نفسه؛ لأن هذا أمر تعوده، ولكن على الإنسان إذا وقع في خطأ من الأخطاء أن يتوب، وإن كان ذلك شركًا أصغر، وليس بشرك أكبر، والشرك الأصغر أيضًا فيه خطورة، ولذلك ينبغي للمسلم ألا يقع في مثل هذه الأمور.

قوله: (الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (٣).

وسنرى أيضًا هل يمكن تعظيم اليمين بالزمان والمكان؟ يعني هل الأشهر الحرم لها حرمة أكثر من غيرها بالنسبة للأيمان؟ هل المكان له أيضًا حرمة أكثر، كأن يحلف بالكعبة، أو يحلف على منبر رسول الله، أو


(١) أخرجه البخاري (٦٦٤٨)، وأخرجه مسلم (١٦٤٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٧٩)، وأخرجه مسلم (١٦٤٦).
(٣) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" لابن القطان (١/ ٣٦٧)؛ حيث قال: "وأجمعوا أن من وجبت له يمين على آخر في حق قبله، أنه لا يحلف له إلا بالله ".

<<  <  ج: ص:  >  >>