للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحكمة في تحديد الثلاثة أننا عرفنا أن السارق تقطع يده، ولا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا (١)، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجنٍّ قيمته ثلاثة دراهم (٢)، إذًا هذه لها قيمة، فإذا كانت الثلاثة الدراهم تقطع بها اليد، واليد لا شك أنها عضو عامل في البدن، ولها مكانة، ولها حرمة، ولو اعتدى عليها إنسان بغير سبب، فإنه تقطع يده، لكن تلك اليد إذا خانت أصبحت عضوًا فاسدًا مريضًا، ينبغي أن يجتث، وأن يُزال من هذا البدن؛ ليكون باقيه صحيحًا سليمًا.

قوله: (فَإِنْ كانَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى المِنْبَرِ) (٣).

هذا جاء فيه أيضًا أثر، يعني عندما يقف إنسان وهو كاذب في موقف وقف فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو الناس إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، كان يلقي - صلى الله عليه وسلم - مواعظه، خطبه، كان يوجه الناس، كان يدعوهم إلى الخير، كان يبين لهم ما يجب أن يفعلوه، ويزجرهم عما لا يجوز لهم فعله، وهو المنبر الذي وقف عليه خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووقف عليه المؤمنون عامًا بعد عام، وجيلًا بعد جيل، كيف يأتي إنسان وهو يعلم أنه كاذب، وأنه على باطل، ثم يحلف في هذا المكان؟ هذا له أثر؛ لأن مثل هذا الموقف تجد أن البدن فيه يضطرب، وترتعد فيه الفرائص (٤)، فكيف تقف في موقف تُلقى فيه المواعظ، ويُوجه الناس،


(١) أخرجه البخاري (٦٧٨٩)، ومسلم (١٦٨٤)، واللفظ له: عن عائشة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا ".
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٩٥)، ومسلم (١٦٨٦) عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم ".
(٣) يُنظر: "الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي" (٤/ ٢٢٨)؛ حيث قال: " (و) غلظت (بمنبره عليه الصلاة والسلام)، أي: عنده، كما هو ظاهر (المدونة)؛ وقال ابن المواز: على المنبر".
(٤) ترتعد فرائصه، أي: ترجف وتضطرب من الخوف. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>