لم يقل أحد بوجوب الحلف، ولكن قالوا:"يجوز للحاكم أن يفعل ذلك "؛ يعني إذا رأى الحاكم المصلحة، ورأى أن في الحلف على المنبر مصلحة فعل، أو بجوار المنبر، أو بجوار الكعبة، إذا رأى أن ذلك رادع ومانع للمعتدي، وكان في ذلك تخويف وزجر له، فإنه يطلب منه ذلك، وقد اشترط في القاضي كما هو معلوم أن يكون ذا حكمة، وأن يكون ذا دربة وخبرة، فإنه ينظر في مقامات الأحوال، وفي قرائنها، وبعد ذلك يستخدم علمه وذكاءه في تلك المواقف، فكم من القضاة من استخرج حقًّا لإنسان مظلوم نتيجة قوة فراسته وعلمه ودقته في مثل هذه الأمور!
لا شك أن المنبر له مهابة، وله مكانة، وترتعد منه الفرائص، فأي مؤمن عنده أقل شيء من إيمان يخاف في تلك المواقف، ففرق بين أن يحلف إنسان في السوق العام، وبين أن يحلف في مسجد، أو على منبر، أو أن يحلف بجوار البيت العتيق، أو كما قال الشافعي:"بين الركن والمقام"، هذه مواقف ينبغي أن يكون المؤمن فيها صادقًا، وأن يتقي الله - سبحانه وتعالى -، وأن يخشى الله تعالى، وألا تكون أمور الدنيا دافعة له إلى أن يبيع فيها أمور الآخرة، فإن السلف - رضي الله عنه - آثروا الباقية على الفانية، باعوا الدنيا بالآخرة. قال تعإلى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ}[التوبة: ١١١].
= مذهب الشافعية، يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٧/ ١١٧)؛ حيث قال: " (و) في (غيرها)، أي: الأماكن الثلاثة يكون (عند منبر الجامع)، أي: عليه؛ لأنه أشرفه ".