للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سورة النور، أنه لا شك أن أحد الحالفين كاذب، هذا أمر لا يختلف فيه اثنان؛ لأن هذا يدعي على امرأته أنها فعلت كذا، وهي تدعي أنه كاذب، ولذلك لما جاء هلال بن أمية الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال له: " البينة أو حد في ظهرك " (١)، وفي رواية قال له: " أربعة " يعني أربعة شهود " أو حد في ظهرك " (٢). ماذا يفعل الرجل؟ شيء شاهده بنفسه، وشق عليه ذلك، وبدأ قلبه يتفطر حزنًا، وهو يرفع يديه يسأل الله تعالى أن ينزل في شأنه قراَنًا، وقد أنزل الله - سبحانه وتعالى - تلكم الآيات التي مرت بنا في اللعان في سورة النور. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ} [النور: ٦، ٧]. وقال: {عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧)} [النور: ٧]، وقال: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩)} [النور: ٨، ٩].

ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " انظروا إليه، فإن جاءت به كذا وكذا، فهو لفلان ". فجاءت على نحو ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وصف المتهم فيه، فقال رسول الله: " لو لم يكن من كتاب الله لكان لي ولها شأن " (٣). أي: أن الكتاب قد حسم الأمر، وقرر الحكم، فلا مجال لحكم آخر، فأصبح اللعان حكمًا مستقرًّا ثابتًا.

ولأن اللعان يعلم فيه تأكيدًا أن أحد المدعيين كاذب، قد يكون المدعي أو المدعى عليه كاذبًا، قال الإمام مالك - رحمه الله -: " إذا كان ذلك بعد صلاة العصر، فهذا تغليظ بالزمان " (٤)؛ لأنه زمان يخشى فيه التهديد،


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (٤٧٤٧).
(٤) معتمد المذهب عدم التغليظ بالزمان، ينظر: "الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي" (٤/ ٢٢٨)؛ حيث قال: "ولا تغلظ بالزمان، كبعد العصر".

<<  <  ج: ص:  >  >>