للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكثير، وقد مرت بنا الإشارة إلى من هو المجتهد، إن المجتهدين أنواع، هناك مطلق، وهناك مجتهد منتسب، وهناك مجتهد في المذهب، وهناك مجتهد في آيات، إلى آخره. فليس العلماء كلهم على درجة واحدة، ولذلك قال العلماء: "ليس التعلم بالتمني "، يعني ليس كل إنسان يدعي العلم .. ليس الإسلام بالتمني، ولا بـ (ليت)، فلا يمكن لإنسان أن ينال العلم بـ (ليت) و (لو أني)، يعني: (لو أني فعلت كذا، يا ليتني فعلت كذا).

لَيتَ وهل يَنفعُ شيئًا ليتُ … ليتَ شَبابًا بُوعَ فاشتريتُ (١)

فالإنسان لو تمنى أن يعود إليه الشباب لا يعود، ولا ينال العلم بالتمني، كما قال العلماء، وإنما هو بالتردد على الأبواب في الليل الداجي، في البحث والتنقيب والدراسة وسهر الليالي، ومجالسة العلماء، والأخذ منهم، وكم من أناس يتمنون أن يكونوا علماء مثل فلان، فيقال للواحد منهم: هل أنت فعلت كما فعل فلان؟ كم أنفقت من وقتك؟ كم بذلت من جهدك؟ كم أمضيت من عمرك في طلب العلم؟ هل أنت طلبت العلم؟ وإن كنت طلبته فهل أخلصت في طلب العلم؟

كان السلف - رضي الله عنه -، بل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان يسافر من بلد إلى آخر، فأحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سافر من المدينة إلى الشام ليأخذ حديثًا واحدًا من أحاديثه (٢) - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من الرحلة في طلب العلم،


(١) قائله: رؤبة بن العجاج؛ وهو من الرجز المسدس.
(٢) هو جابر بن عبد الله، وقد رحل مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد. وأخرجه البخاري تعليقًا (مع الفتح) (١/ ١٧٤)، وعلقه أيضًا في موضع آخر (١٣/ ٤٥٧)، ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" (٥/ ٣٥٥).
وأخرجه أحمد في المسند (١٦٠٤٢) عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: "بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاشتريت بعيرًا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرًا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا =

<<  <  ج: ص:  >  >>