للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن الآن أصبح العلم لنا ميسرًا يأتي إلينا، يعني نجده في المساجد، في المدارس، لكن فيما مضى كان أحدهم يسافر في طلب العلم على راحلة إن أسعفته النفقة، وماشيًا إن ضاقت به النفقة، نجد أنه يقطع الفيافي والقفار، ويتخطى السهل والوعر، ويعاني المشكلات، وربما تقابله المخاطر وهو في طريقه في سبيل العلم، ومع ذلك صبروا على ذلك، وإن العلم مع ذلك كله لا بد في تحصيله من تقوى الله، ولذلك قال الله تعالى في سورة البقرة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٢]. وكان الشافعي يقول:

شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي … فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلمَ نورٌ … ونُورُ اللهِ لا يؤتى لعاصي (١)

فإذا كان الإمام الشافعي يقول ذلك القول، فكيف بغيره؟

ولما جلس أمام الإمام مالك تلميذ له يقرأ عليه "الموطأ" قال له: "أيها الشاب، إني أرى فيك نجابةً وذكاءً"؛ فأوصاه بتقوى الله - سبحانه وتعالى - (٢). ولقد أخذ الإمام الشافعي بوصية شيخه الإمام مالك، وهكذا كان العلماء والصالحون يوصي بعضهم بعضًا، بل كان السلف - رضي الله عنه - إذا جاء أحد العلماء


= عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب. فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني، واعتنقته، فقلت: حديثًا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه … " الحديث. وحسن إسناده الأرناؤوط.
(١) انظر: "ديوان الشافعي" (ص ٥٤).
(٢) لم أجد ذلك النص، لكن إعجاب مالك بالشافعي ثابت.
ينظر: "سير أعلام النبلاء" (١٠/ ١٢)؛ حيث قال عن الشافعي: "أتيت مالكًا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة - كذا قال، والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة - قال: فأتيت ابن عم لي والي المدينة، فكلم مالكًا، فقال: اطلب من يقرأ لك. قلت: أنا أقرأ. فقرأت عليه، فكان ربما قال لي لشيء قد مر: أعده. فأعيده حفظًا، فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة، فأجابني، ثم أُخرى، فقال: أنت تحب أن تكون قاضيًا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>