للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قالوا من أهل العلم: "يقضي بعلمه "، استدلوا بأدلة، والذين قالوا: "لا يقضي بعلمه" أيضا استدلوا بأدلة.

فالذين قالوا من أهل العلم: "يقضي بعلمه" استدلوا بقصة هند عندما جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشكت إليه زوجها أبا سفيان، فقالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح - والشحيح هو الممسك على المال، يعني: لا ينفق، لا يبسط يده - لا يعطيني ما يكفيني وولدي من النفقة". فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " (١). قال الفريق الذي يجوز القضاء بالعلم: "إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قضى هنا بعلمه، لأنه صدق المرأة، فقد بنى على قول المرأة، فتصديقه لها بنى عليه الحكم، وإلا لو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يقضي بعلمه لاستدعى أبا سفيان، لأنه المدعى عليه، وأحضره وسمع دعواه، ثم بعد ذلك يكون القضاء".

وذهب فريق آخر - وهم أكثر العلماء: إلى أنه لا يقضي بعلمه، واستدلوا بالحديث المتفق عليه، وحديث هند السابق متفق عليه أيضًا.

استدل هذا الفريق الآخر بالحديث المتفق عليه، وقد سبق ذكره قبل، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر، ولعلكم تختصمون إلي فيكون بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من نار، فليأخذها أو فليدعها" (٢).

محل الشاهد: "وإنما أقضي على نحو مما أسمع" و"أسمع" يقوم على البينة؛ لأن ما يسمعه هو إقرار، أو تكون شهادةً، قالوا: "فهذا دليل صريح في أنه يدل على أنه لا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ".

الفريق الأول أيضًا استدلوا ببعض المفاهيم، قالوا: "أليس القاضي


(١) أخرجه البخاري (٧١٨٠)، ومسلم (١٧١٤).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>