للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساعيًا، فحصل بينه وبين رجل لجاج، فقام أبو جهم فضرب الرجل فشجه، أي: الذي طلب منه إخراج الزكاة، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وطلبوا القود، فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعتدى عليه حتى رضي، قال: "أرضيتم؟ " قالوا: نعم، فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر وخطب - صلى الله عليه وسلم - الناس، قال: "أرضيتم؟ " قالوا: لا، حتى إنه همَّ المهاجرين بهم. يعني غضبوا وتأثروا، كيف ترضون ذلك؟ فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، قال: "أرضيتم؟ "، قالوا: نعم. ثم صعد فوق المنبر، وقال: "أرضيتم؟ "، قالوا: نعم (١).

قالوا: "وهذا الحديث فيه دلالة على أنه لا يقضي بعلمه؛ لأنه لو كان يقضي بعلمه لاكتفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرضا الأول، ولقال - صلى الله عليه وسلم -: لقد سبق أن رضيتم، وانتهى الأمر، لكنه عاد وأرضاهم، ودفع لهم زيادة، فكان ذلك دليلًا على أن القاضي لا يقضي بعلمه ".

أما الإمام أبو حنيفة (٢) رحمه الله، فقد سبق تقسيمه ما يتعلق بعلم القاضي إلى قسمين، لأنه قال: الحقوق حق لله تعالى وحق للمخلوق، فإن كان الحق حقًّا لله فلا يقضي القاضي فيه بعلمه، لأن حق الله تعالى يقوم على المسامحة، والله تعالى يقول: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣].

فقال: هذا لا يحتاج إلى أن يقضي بعلمه. أما إذا كان الحق للمخلوق فقد فصل القول في ذلك، قال: إذا كان علم القاضي قبل ولايته، فلا يحكم به، كما الحال بالنسبة للشهود، فلو رأى شهودًا قبل أن يكون قاضيًا حاكمًا فلا يعتمد على ذلك، ولكن لو كان علمه أثناء قضائه - أي: توليه القضاء - فإنه يحكم به، كالحال بالنسبة للشهود.


(١) أخرجه أبو داود (٤٥٣٤)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (٢٦٣٨).
(٢) سيأتي التفصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>