للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الصحيح أنه لا ينبغي أن يقدم القياس على حديث صحيح، بل الحقيقة أن القياس الصحيح لا يعارض الحديث الصريح؛ لأن القياس إنما بني على أصل، وهذا الأصل ينبغي أن يوافق للفطرة، وتلكم الأحاديث إنما جاءت موافقة للفطرة.

* قوله: (مِثْلَ مَا يُنْسَبُ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِاتِّفَاقٍ، وَإِلَى مَالِكٍ بِاختِلَافٍ).

قيل: "إن الإمام أحمد سُئل عن ذلك في تردده أو في تعدد أقواله: لعلك تأخذ بما يأخذ به أبو حنيفة؟ " فأجاب: "لا" (١).

معلوم أن أبا حنيفة عاش في العراق، وفي العراق يوجد الزنادقة، ويوجد أهل البدع والضلالات، ومن أولئك من وضع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكذوبًا، فإن أولئك الأقوام تجرؤوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار" (٢)، ولذلك كانوا يضعون أحاديث - أعني أهل الأهواء والزنادقة - تتفق مع أهوائهم ومذاهبهم، فإنهم يضعون أحاديث وينسبونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان أهل العراق يتشددون أكثر بخلاف أهل الحجاز، فلم يكن ذلك منتشرًا بينهم، ولذلك قلَّ الأخذ ببعض الأحاديث؛ تشددًا في تمحيص الأحاديث، ولكن الله سبحانه وتعالى كما حفظ كتابه عز وجل، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩].

كذلك نجد أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حفظت أولًا في صدور أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لما بدأ علم تدوين الأحاديث دونت ابتداءً كما اشتهر في


= حيث قال: وسألته: "هل يصح سماع أبي حنيفة عن أنس؟ فقال: لا يصح سماعه عن أنس، ولا عن أحد من الصحابة، ولا تصح له رؤية أنس ولا رؤية أحد من الصحابة".
(١) لم أجده.
(٢) أخرجه البخاري (١٠٧) ومسلم (٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>