لأن القاضي إذا قضى بعلمه تلحق به التهمة، أي: يتهم في الأمر، والقاضي دائمًا ينبغي أن يبتعد عن التهم، حتى فيما يتعلق بالهدايا، المؤلف لم يعرض لها، ولكن الفقهاء يتكلمون عنها، يعني القاضي لا يقبل الهدية إلا من شخص كان بينه وبينه مهاداة؛ قريب له، أو صديق، هذا يهدي، وهذا يهدي، فهذا أمر ثابت، لكن قالوا: شريطة ألا تكون هذه الهدية قد تغيرت، بمعنى زادت، هذا لصيانة مكانة القاضي، والمحافظة عليه، وإبعاده عن مواضع الشبه والتهم؛ لأنه يفصل بين الناس في الخصومات في المنازعات، يرد الحق إلى صاحبه، يأخذ على يد الظالم، وينصف المظلوم، فوظيفته ليست بسهلة، ولذلك عرفنا أنه إذا اجتهد فأخطأ، فله أجر، هو مخطئ ومع ذلك يؤجر لحساسية القضاء وخطورته وأهميته، ولذلك ابتعد عنه كثير من أكابر العلماء ممن هم أهل للقضاء.
هذه معروفة ومشهورة ومرت بنا في مباحث عدة؛ فإن الإنسان إذا قتل إنسانًا فإنه لا يرثه، لا يرث القاتل المقتول، هذا فيه حديث، كذلك أيضًا لو أن رجلًا طلق امرأته في مرض موته، فإنه يعامل بنقيض قصده؛ لأنه في هذا المقام متهم بأنه أراد أن يحول بينها وبين الميراث، فيعامل بنقيض قصده، أي: يعكس. عليه الأمر، وتورث المرأة، وكذلك أيضًا شهادة الأب لابنه، والعكس، هو متهم؛ لما عند الأب من الشفقة والعطف على ولده، وهو حريص على كما يقول الشاعر:
(١) يُنظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص ٧٤)؛ حيث قال: "وأجمعوا على أن القاتل عمدًا لا يرث من مال من قتله، ولا من ديته شيئًا".