قال:"أرسلني رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيًا". فشكا إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -
أمرين:
الأمر الأول: بأنه كان حديث السن.
والأمر الآخر: بأنه لا علم له بالقضاء، أي: لم يجربه، ولم يمارس القضاء، لكن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - طمأنه بأمرٍ، كل مسلم يتمنى أن يكون له ذلك الأمر، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن اللّه يهدي قلبك، ويثبت لسانك".
فما أعظم أن يهدى قلب المرء! وما أعظم أن يثبت لسانه! فإن اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يقول:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}[التغابن: ١١].
ولا شك أن هداية القلب هي الإخلاص، فإذا ما هدي المرء إلى الحق، فذلكم الإخلاص والنور الذي يشع ضياؤه من القلب، فيأخذ بيد صاحبه إلى طريق الخير، فلا يفعل إِلَّا الخير، ولا يتكلم إِلَّا بالخير، فإذا ما أخلص الإنسان في عمله، وامتلأ قلبه بالإخلاص، فإن جميع أعماله ستكون على هدى من اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وعلى بينة منه، ولذلك يقول اللّه تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة: ٥].
ويقول تعالى عن نبيه: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: ١٤، ١٥].
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه -: "إن اللّه يهدي قلبك". وهذا ليس
دعاء بأسلوب إنشائي، ولكنه إخبار يتضمن معنى الدعاء، أي: أنك إذا أقبلت على ذلك الأمر، وكنت متهيبًا فيه، وصادقًا في قضائك، واتجهت إلى اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، فإن اللّه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - سيهدي قلبك، ويوفقك إلى الإخلاص، وذلك هو سر النجاح، وكذلك فإن اللّه يثبت لسانك. قال تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم: ٢٧].