للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّبب الثَّانِي: تَمْييز العبَادَات بعضها عن بَعْضٍ من حَيث رُتْبة كل عِبَادةٍ (١).

فالعبَادَاتُ ليست على رتبةٍ واحدةٍ، فالصلاة - مثلًا - قد تكون واجبةً كالصَّلوات المفروضة؛ سواء أَدَّاهَا المكلَّف في وقتها، أو أَدَّاهَا قضاءً، وقَدْ تكون غير وَاجِبَةٍ، كالسُّنن بأنواعها مؤكَّدة وغير مؤكَّدة، فَهَذا الالتباس الَّذي قَدْ يَحدث بين هذه العبادات مختلفة الرُّتبة، إنما النية هي التي تَفصِلُ فيه، وتقوم بتمييزه، فَتَرفَع كلَّ إِشْكَالٍ، وتُحَقِّق الغرضَ والهدفَ من هذه العبادة.

قوله: (وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا القُرْبَةُ فَقَطْ؛ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا).

وَ" القُرْبَةُ ": هي الطَّاعة والتقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى بإيجاد فِعْلٍ أو تَرْكٍ.

قوله: (وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً مَعْقُولَةَ المَعْنَى كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ).

فَغَسْلُ النَّجاسة عبادةٌ يُدْرِكُ المكلَّف عِلَّتَهَا، ويعلم أنَّه مطالبٌ بالتطهُّر منها إذَا أصَابَت بدنه أو ثوبه أو موضع صلاته، ويُفْهم هذا من أدلَّتها، كحديث عائشة - رضي الله عنها -: إنَّ إحدَانا يصيب ثوبَها دَمُ الحيض، كَيْف تَصنع؟ قال عليه الصلاة والسلام: " تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرصُهُ بِالمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ " (٢)، وكذلك قصَّة الأعرابي الذي بَالَ في المَسْجد (٣)، وَغَيْر ذَلكَ.


(١) مذهب المالكية، يُنظر: " مواهب الجليل " للحطاب (١/ ٢٣٢) حيث قال: " وحكمة ذلك والله تعالى أعلم … أو تتميز مراتب العبادات في أنفسها لتمييز مكافأة العبد على فعله، ويظهر قدر تعظيمه لربه ".
ويُنظر: " مغني المحتاج " للخطيب الشربيني (١/ ٣٤١)، حيث قال: " لأن المقصود منها شيئان … وتمييز رتب العبادات ".
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٠)، ومسلم (٢٨٤).
(٣) أخرجه البخاري (٢٢٧)، ومسلم (٢٩١)، ولفظه: قال أنس بن مالك: بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ مَهْ. قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تُزْرموه، دَعُوه "، فَتَركوه حتى بال، ثمَّ إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دعَاه، فَقَالَ لَه: " إنَّ هذِهِ المساجدَ لا تصلح لشيءٍ من هذا البول، ولا القَذَر، إنَّما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن ".

<<  <  ج: ص:  >  >>