للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ العِبَادَةَ المَحْضَةَ مُفْتَقِرَة إِلَى النِّيَّةِ).

نَعَمْ، هُمْ لا يَخْتلفون في افتقَار العبَادة المَحضة إلى نِيَّةٍ، وَلَكن الخلاف بَيْنهم إنَّما هو فيما لا يحتاج إلى نِيَّةٍ، وهو مَا لا يَلْتبس بغيره من العبَادات، أما كُلُّ عِبَادةٍ تلتبس بغيرها، فَالنيَّة مطلوبةٌ فيها.

قوله: (وَالعِبَادَةَ المَفْهُومَةَ المَعْنَى غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى النِّيَّةِ، وَالوُضُوءُ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ العِبَادَتَيْنِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الخِلَافُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجْمَعُ عِبَادَةً وَنَظَافَةً، وَالفِقْهُ أَنْ يُنْظَرَ بِأَيِّهِمَا هُوَ أَقْوَى شَبَهًا، فَيُلْحَقَ بِهِ).

بمَعْنى؛ أنَّ الفقيهَ في هذا المقَام لا بدَّ أن ينظرَ في المسألة، فَإذَا ترجَّح عنده أنَّ الوضوءَ أكثر شَبَهًا بالعبادة المحضة غير مَعْقولة المعنى، فَحِينَئذٍ تَكُون النيَّة شرطًا فيه كَمَا هُوَ الحَال عند جُمْهور العلمَاء، وإذا كان أكثر شَبَهًا بالعبادة مَفْهومة المَعْنى، فَحينها لا تَكُونُ النيَّة شرطًا في صحتِهِ كمَا هُوَ عند الأحناف.

وَالبَاحثُ عندما يَتأمَّل المسألةَ وأدلَّتها بنظرةٍ فاحصةٍ دقيقةٍ، فلا شَكَّ أنَّه سَيَجد مَذْهبَ جمهور العلماء أقوى دليلًا، وأصْرَح دلالةً في هذه المسألة، فالآيةُ صريحة في اشتراط النيَّة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥]، وحديث: " إنَّما الأعمال بالنيَّات " (١)، إنَّما هو صريح الدلالة في هَذَا.

المَنْوِيُّ وأقْسَامه:

و" المَنْوِيُّ ": هُوَ العَمَل الَّذي يَنوِيهِ المكلَّفُ، وهُوَ يَنْقسم إلى قِسْمَيْن:

القسم الأوَّل: أمرٌ مَقْصودٌ لنفسِهِ، كالصَّلاة مثلًا، وهَذَا النَّوعُ لَا خلافَ بين العُلَماء في أنَّ النيةَ شرطٌ من شروطِهِ.


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>