للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثاني: أمرٌ مقصودٌ لغَيره، وهُوَ على نَوْعين:

النوع الأول: ما يُقْصد لغيره فقط، بمعنى أنه يكون وسيلةً محضةً، ولا يُقْصَد لذاتِهِ أبدًا.

النوع الثاني: ما يُقْصَد لغَيره، وهُوَ في نفس الوقت مَقْصودٌ بنفسِهِ، كالوُضُوء الَّذي هو وَسيلةٌ إلى الصَّلاة، وشرطٌ من شُرُوط صحَّتها بدَلِيل قَوْل الله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦]، وقَوْل الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم -: " لا تُقْبَل صلَاةٌ بغير طهورٍ " (١).

والوُضُوءُ لا شكَّ أنه مُقَدِّمةٌ لعبادة الصَّلاة، وَوَسيلةٌ إليها، هَذَا ممَّا لا خلافَ فيه، لَكن الخلَاف القَائم فيه بين الحنفيَّة والجُمْهور يتمثَّل فيما إذا كان الوُضُوءُ مجرَّد وسيلةٍ محضةٍ مقصودةٍ لغيرها (أي: للصلاة)، أم أنها عبادةٌ مقصودةٌ لذاتها كذلك.

قول الأحناف: إن الوضوءَ مقصود لغيره لا لنفسه (٢)، فهو عبادةٌ غير محضةٍ، ووسيلةٌ إلى الصَّلاة لَا تُشْترَط فيها النِّيَّةُ، بخلاف الصَّلاة الَّتي لا بدَّ فيها من الإتيان بالنية؛ لأنها عبادةٌ مَقْصودةٌ بنفسها.

قَوْل الجُمْهور: إنَّ الوضوءَ مقصود لغيره، وَوَسيلة إلى الصلاة - كما قال الأحناف - لكنه مَقْصودٌ بنفسِهِ، كذلك لأنَّه عبادةٌ (٣)؛ ولأن الرَّسُولَ -


(١) سبق تخريجه.
(٢) يُنظر: " الدر المختار " لعلاء الدين الحصكفي (ص ٢٨٤) حيث قال: " وهو عبادةٌ مقصودةٌ "، خرج الوضوء وتكفين الميت ". وانظر: " المبسوط " للسرخسي (١/ ٧٢).
(٣) يُنظر: " مغني المحتاج " للخطيب الشربيني (١/ ١٧٠)، حَيْثُ قال: " وَمِنْ أَصْحَابنا مَنْ قال: لا ثوابَ له بِحَالٍ؛ لأنه يُرَاد لغَيره بخلاف الصلاة. اهـ ".
" مواهب الجليل " للحطاب (١/ ٢٣٣)، حيث قال: " والثاني مقصود لغيره، وهو قسمان، أحدهما: مع كونه مقصودًا لغيره، فهو أيضًا مقصود لنفسه كالوضوء، فإنه نظافةٌ مشتملةٌ على المصلحة، وهو مطلوبٌ للصلاة، مكملٌ لحسن هيئاتها ".

<<  <  ج: ص:  >  >>