للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علَيه الصَّلاة والسَّلام - قال: " الطهور شَطر الإيمان " (١)، وشَطر الإيمان، أَيْ: نصف الإيمان.

وهُنَاك كَلَامٌ كثيرٌ للعُلَماء حَول هذا الحديث فيما إذا كَانَ مُرَاده الإيمان الَّذي يَتحَتَّم أن يَقَرَّ في قَلْب الإنسان، وأن يُعْلِنَهُ بلسانِهِ، ويُصَدِّقَه بِعَمَلِ جَوارِحِهِ، أم أنَّ المرادَ بالإيمانَ أمرٌ آخرُ.

فقال بعضهم (٢): إنَّ الوضوءَ شطرُ الإيمان؛ لأنَّ الإيمانَ يَجُبُّ الكبائرَ، والوُضُوء يَرفَع الصَّغائرَ كَمَا جَاء في الأحَاديث.

وبَعْضُ العُلَمَاءِ (٣) اعْتَرض علَى هَذَا القَوْل بأَنَّ الشَّطرَ لَا يلزم منه أن يكون نصفًا، بَل المُرَاد بالشَّطر هاهنا إنَّما هو الجزء.

وقَدْ أُجِيبَ عَنْ هذا الاعتراض بأنَّ هناكَ أحاديثَ أُخرى وَرَدَ فيها: " الوُضُوءُ نصفُ الإيمَان " (٤)، فَفي هَذَا زَوَالٌ للإشكال.

وَاجْتَهَد بَعْضُهُمْ، فَقَالَ (٥): إنَّ المرادَ بالإيمَان هنا إنَّما هو الصَّلاة؛ لقَوْل الله تَعَالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣]، أَيْ: تَوَجُّهكم إلى بيت المَقْدِسِ.

فخُلَاصةُ القول: إنَّ هذا الحديث وإنْ كانت تدور حوله نقاشاتٌ إلا أنه يَبْقى في نهاية الأمر حديثًا صحيحًا ثابتًا.


(١) سبق تخريجه.
(٢) يُنظر: " المعلم بفوائد مسلم " للمازري (١/ ٣٤٧)، حيث قال: " والوجه الثاني: أن يكونَ معنى شطر الإِيمان: أن الإِيمانَ يَجُبُّ ما قبله من الآثام … ولما كان الإِيمان يمحو الآثام المتقدمة عليه بانفراده، صَار الطهور في التشبيه كأنه على الشطر منه ".
(٣) يُنظر: " شرح مسلم " للنووي (٣/ ١٠٠) حيث قال: " وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًّا ".
(٤) أخرجه الترمذي (٣٥١٩)، وضعَّفه الأَلْبَانيُّ في " ضعيف الترمذي ".
(٥) يُنظر: " إكمال المعلم بفوائد مسلم " للقاضي عياض (٢/ ٧) حيث قال: " وقد يقال: المراد بالإيمان هنا الصلاة، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} ".

<<  <  ج: ص:  >  >>