للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الله سُبحانه وتعالى يربيها كما يربي أحدكم فلوه" (١)، يعني مهره الفرس الصغير، "حتى تكون كالجبل" (٢).

تمرة واحدة إذا تصدق بها الإنسان وقصد بها وجه الله سبحانه تعالى والدار الآخرة، فإن الله سُبحانه وتعالى يتقبلها، إذا كانت من كسب طيب، وكذلك فإن الله سُبحانه وتعالى يربى تلك التمرة كما يربي أحدنا مهره الصغير، حتى تكون كالجبل، فيعظم أجرها ويزداد ثوابها، فيجد المتصدق ذلك مدخرًا له في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من آتى الله بقلب سليم، فما أعظم الصدقات! فإنها مما يرفع الله تعالى بها حسنات المرء، ومما يكفر بها السيئات، ولذلك جاء في أحاديث كثيرة الحض على الصدقة والترغيب فيها.

قوله: (وَالزَّكَاةُ تَدْخُلُ فِي هَذَا البَابِ مِنْ وَجْهٍ).

الزكاة -كما هو معلوم- واجبة، وهي بلا شك مما أمر به الله تعالى كما في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: ١٠٣].

فهي قربة للّه تعالى، وتذكية للنفوس، وهي أيضًا تجعل الأموال في نماء؛ لأنها طهرة للأموال وسبب في نمائها وزيادتها، وهي أيضًا تطهير للنفوس من الشح والبخل، والبخل يتساهل فيه كثير من الناس، ويظنون أن إمساك الأموال إنما سيكون نافعًا لهم، ولكن في الحقيقة الإنفاق هو الذي ستجده يوم القيامة، ستجده مدونًا لك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

ولذلك لما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه: "أيكم مال وارثه أحب إليه ماله؟ ". قالوا: ليس منا من مال وارثه أحب إليه من ماله (٣).

فبيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن ماله ما أنفقه في هذه الحياة، وأما ما يتركه بعد ذلك فهو مال الوارث.


(١) الفلو: المهر الصغير. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٣/ ٤٧٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٤١٠)، ومسلم (١٠١٤/ ٦٤).
(٣) أخرجه البخاري (٦٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>