الجهال فتسنموا الذرى أفتوا بما لا يصلح أمرًا، فمن المعلوم أنه لا يصلح أمر الناس دون حاكم يسودهم ويقوم بشؤونهم، ويحافظ على أمرهم، ويرعى حقوقهم، ويقوم بتطبيق الحدود وتنفيذ القصاص، ويقوم برد الحقوق إلى أصحابها، فذلك أمر متعين واجب، وقد رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إمام المؤمنين، وكان قاضيهم، وكان يقوم على توجيههم، وهو الذي يفتي الناس فيما يستفتون فيه، وهو الذي يقضي بينهم في الخصومات، وهو الذي يصدر الأحكام، وهو الذي يأمر وينهى، وهكذا كان خلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده، وما زال على ذلك المؤمنون جيلًا بعد جيل ودهرًا بعد دهر.
المحبة من أهم الأمور التي ينبغي أن تكون بين المسلمين، ولكن ينبغي أن تكون المحبة خالصة للّه سُبحانه وتعالى؛ يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من أحب في الله، وأبغض في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك"(١).
إن المحبة هي المحبة في الله، وليس المحبة المقصودة المحبة القائمة على أغراض من الدنيا، فلا تحب أحدًا لجاهه، ولا ليرفعك في هذه الحياة الدنيا، إن صنع لك معروفًا فكافئه، وإن لم تكافئه فادع له حتى تعلم أنك قد كافأته، ولكن ينبغي أن تقوم المحبة على أساس من إرادة وجه الله تعالى. قال سبحانه: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)} [الزخرف: ٦٧].
(١) أخرجه أبي داود (٤٦٨١) عن أبي أمامة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان"، وصححه الألباني في "الصحيحة" (٣٨٠)، أما لفظ: "فإنما تنال ولاية اللهِ بذلك"، فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٤٧٧٠) عن ابن عباس موقوفًا بلفظ: "أحبَّ في الله، ووَالِ في الله، وعادِ في اللهِ، فإنما تُنال ولاية الله بذلك، لا يجد رجل طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك".