للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء المتقون هم الذين تدوم المحبة بينهم، فإنك تجد شابين نشأا منذ الطفولة تقوم بينهما علاقة من المحبة والود، يشبان على ذلك، ويظلان كذلك حتى تمر وتنتهي بهما الحياة، وترى أن تلك المحبة تتقوى صلتها، وتعظم أواصرها، وتجد أن كل واحد منهما يحس بألم الآخر، ربما أكثر من نفسه، فتجد أحدهما يفرح بفرح أخيه، ويحزن لحزنه، ويشعر بألمه، فهذه المحبة في الله، ولذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" (١).

فلا ينبغي أن تكون محبة فوق محبة الله سُبحانه وتعالى، لأنه هو الذي خلقنا، وهو الذي رزقنا، وهو الذي أوجدنا من العدم، وهو الذي تفضل علينا سُبحانه وتعالى فأخرجنا من بطون أمهاتنا قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} [النحل: ٧٨].

فهو الذي رزقنا العقل والفؤاد والفكر والبصر والسمع والأرجل التي نمشي عليها، والأيدي التي نبطش بها، وهو الذي أسدى إلينا النعم ظاهرة وباطنة، وحفظنا سُبحانه وتعالى بحفظه المتين، فينبغي لنا أن نشكره سُبحانه وتعالى، ولا ينبغي أن تكون محبة مساوية لمحبة الله.

ومحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن تكون فوق كل محبة من البشر، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده ووالده والناس أجمعين" (٢). ولما قال عمر - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "واللّه يا رسول الله، إنك لأحب الناس إلي إلا من نفسي". قال: "لا، يا عمر". قال: "واللّه، إنك الآن لأحب الناس إليَّ حتى من نفسي". فقال


(١) أخرجه البخاري (١٦)، ومسلم (٤٣) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
(٢) أخرجه البخاري (١٥)، ومسلم (٤٤/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>