للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي -صلى الله عليه وسلم- لازم التغليس حتى مات، ولهذا ذكر المؤلف أنه الأغلب من فعله -صلى الله عليه وسلم-، فيحمل على الأفضلية.

وليس المقصود بالتغليس هو أن يصليها المسلم بمجرد بزوق الفجر؛ بل المراد هو أن يتأكد ويحتاط في طلوع الفجر.

وفي نظري أن ما ذكره المؤلف من الترجيح بين المسائل بالأدلة الأصولية لا حاجة له؛ لأن حديث أبي مسعود رفع الإشكال؛ وبه اجتمعت الأدلة، وعُمِل بها جميعًا.

وأما حديث رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَسْفِرُوا بالفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأجْرِ" (١). فالمراد به: التأكد والتحري والدقة والتبينَ من طلوع الفجر الصادق، والحيطة في ذلك الأمر، وليس المراد من ذلك أن الإسفار أفضل من التغليس.

وكذلك نبَّهَ المؤلف على حديث رَافِعٍ، وقال: إنه (مُحْتَمِلٌ؛ لِأنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَبَيُّنَ الفَجْرِ، وَتَحَقُّقَهُ، فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَا العُمُومِ الوَارِدِ فِي ذَلِكَ تَعَارُضٌ)، وهذا قول وجيه، وهو زُبدة القول، وخلاصة المسألة، وتلتقي حوله الأدلة؛ كحديث أبي مسعود الأنصاري.

وليس المراد من هذا الحديث: أن يُنتظَر بها إلى أن يأتي الإسفار، ويقرب خروج الشمس. يعني: ومما يقوي مذهب الجمهور: أن التغليس كان فعل أبي بكر، وعمر، وعثمان، وفعله الصحابة رضوان الله عليهم (٢)، وهم لا يختارون في هذا المقام إلا الأفضل؛ فهم أشد الناس حرصًا على اقتفاء آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهم أكثر الناس مسابقة الخيرات.


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) قال ابن المنذر في "الإشراف" (١/ ٤٠٢): "وقد روينا عن أبي بكر، وعمر، وابن الزبير، وابن مسعود وأبي موسى الأشعري، وعمر بن عبد العزيز أخبارًا تدلُّ على أن التغليس بالصلاة أولى من الإسفار فيها".

<<  <  ج: ص:  >  >>