للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باللَّذَين من بعدي بأبي بكر وعمر" (١)، وقال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ" (٢)؛ فالصحابة يختلفون عن غيرهم، لأنهم تلاميذ محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم الذين تربَّوا في مدرسته، ونهلوا من معينها، وهم الذين أيضًا سايروا التنزيل؛ فتلقوه من مشكاة النبوة صافيًا غضًّا طريًا لم تشبْه شائبة، ولم يخالطه إشكال.

وهم مَن أخذوا العلم من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى جانب أخذهم العلم كانوا يطبقونه على أنفسهم؛ فلا يتجاوزن ما تعلموه، وكانوا إذا تعلموا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يتجاوزها حتى يعلموا ما فيها من العلم ويعملوا بها (٣)، وعلى ذلك كان الناس يتسابقون إلى دين الله، وكانوا يدخلون في دين الله أفواجًا، وذلك لما كانوا يرونه من سيرة أولئك القوم الكرام؛ لأنهم يرون أن الإسلام مطبق في أقولهم، وأعمالهم، وأخلاقهم، وسائر تصرفاتهم، أولئك أناس آثروا الآخرة على الباقية؛ فتركوا الدنيا وراءهم ظهريًا، وليس معنى ذلك أن الإنسان يزهد فى الدنيا، ويتركها بل لا ينسى قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: ٧٧]، فكانوا كذلك - رضي الله عنهم -، وما كان يشغلهم عن طاعة الله -سبحانه وتعالى- شيء؛ بل كانوا أسودًا بالنهار، رهبانًا بالليل.

وقد وصفهم من كان أعرف الناس بهم ألا وهو: عبد الله بن مسعود حيث قال: "من كان مستنًا؛ فليستنَّ بمَن مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ثم قال: "أولئك أصحاب رسول الله كانوا أبرّ الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلف، قوم اختارهم الله -سبحانه وتعالى- لصحبة رسوله؛ فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في أثرهم" (٤)، فقد رأينا من الناس في هذا


(١) أخرجه الترمذي (٣٦٦٢)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (١١٤٢).
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) أخرج الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٤/ ٨٣) عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا أصحابنا الذين، كانوا يعلمونا، قالوا: "كنا نعلم عشر آيات فما نتجاوزهن حتى نعلم ما فيهن من عمل".
(٤) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>