للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا فوائد عظيمة، منها: أن قيمة المسلم بتقواه؛ فالإسلام لا ينظر إلى جنس، ولا إلى نسب، ولا إلى عنصر، ولا إلى وطن؛ وإنما قيمة الإنسان بطاعة الله -سبحانه وتعالى-، وبامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.

فهذا بلال ظلَّ يؤذن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حبشي فلم ينقص قدره ولم يكن عربيًّا، ولم ينفع نسب أبي لهب؛ لأنه كان عمَّ رسول الله" لأنه كان مشركًا، ولم يرفع ذلك أبا جهل؛ بل حطه في الحضيض حتى ينتهي إلى نار جهنم وبئس المصير.

فإنما يعز الله -سبحانه وتعالى- بهذا الدين أقوامًا، ويضع به آخرين، ولذلك نجد أن الله -سبحانه وتعالى- قد أعزَّ هؤلاء، ومن بينهم بلال، لأن بلالًا كان من أوائل الذين استجابوا لدين الله -سبحانه وتعالى-، وكان سابع سبعة آمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكم لاقى من الأذى، والتعب إذ كان يسوقه غلمان مكة، وكان يُضرَب منهم ويقول: "أحد أحد وتوضع الصخرة على ظهره في بطحاء مكة وهو يقول: "أحد أحد" (١)، فتمضي الأيام وإذا بلال يرد المدينة ويصبح مؤذنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويهبه الله -سبحانه وتعالى- صوتًا مؤثرًا نديًا إذا ما سمعته القلوب وجِلت تأثرًا به، ولذا نجد عمر - رضي الله عنه - عندما ذهب إلى بيت المقدس ألحَّ على بلال ليؤذن ليذكرهم بما كان في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢)، ولما عاد


(١) أخرجه ابن ماجه (١٥٠) عن عبد الله بن مسعود قال: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد؛ فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالًا فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد. وصححه ابن الملقن في "مختصر تلخيص الذهبي" (٤/ ١٩٦٣). والألباني في "التعليقات الحسان" (٧٠٤١).
(٢) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٤١٩) وفيه أن بلالًا لم يؤذن لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجهاد، فأراد أبو بكر منعه وحبسه فقال: إن كنت أعتقتني لله فلا تحبسني عن الجهاد وإن كنت أعتقتني لنفسك أقمت. فخلَّى سبيله، فكان بالشام حتى قدم عليهم عمر بن الخطاب الجابية، فسأل المسلمون عمر بن الخطاب أن =

<<  <  ج: ص:  >  >>