للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن هي كلمات عظيمة، ومن أحسن مَن تكلم فيها كلامًا دقيقًا جميلًا القاضي عياض -رحمه الله - في: "شرحه لصحيح مسلم" (١).

• قوله: (فَسَبَبُ الخِلَافِ: هُوَ تَرَدُّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا مِنْ أَقَاوِيلِ الصَّلَاةِ المُخْتَصَّةِ بِهَا، أَوْ يَكُونَ المَقْصُودُ بِهِ هُوَ الِاجْتِمَاعَ).

والأذان حقيقة ليس قولًا من أقوال الصلاة، ولكنه دعوة إلى الصلاة،


(١) يُنظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (٢/ ٢٥٣)؛ حيث قال: "وقوله: (إذا قال المؤذن: الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر … ) الحديثَ إلى قوله: (فإذا قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)؛ لأن في حكايته لما قال المؤذن من التوحيد والإعظام، والثناء على الله، والاستسلام لطاعته، وتفويض الأمور إليه بقوله عند الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإذ هي دعاء وترغيب لمن سمعها، فإجابتها لا تكون بلفظها بل بما يطابقها من التسليم والانقياد، بخلاف إجابة غيرها من الثناء والتشهيدين بحكايتهما، وإذا حصل هذا للعبد فقد حاز حقيقة الإيمان وجماع الإسلام واستوجب الجنة، وكذلك مضمن الحديث الآخر في القول عند أذان المؤذن: (رضيت بالله ربا … ) الحديثَ، ومثل هذا من التصريح بحقيقة الإيمان والاعتراف بقواعده. واعلم أن الأذان كلمات جامعة لعقيدة الإيمان ومشتملة على نوعيه من العقليات والسمعيات، فابتدأ بإثبات الذات بقوله: (الله) وما تستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها المضمنة تحت قولك: (الله أكبر)، فإن هذه اللفظة على قلة كلمها واختصار صيغتها مشعرة بما قلناه لمتأمله، ثم صرح بإثبات الوحدانية والإلهية ونفى ضدها من الشركة المستحيلة في حقه، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدمة على سائر وظائفه، ثم ابتدأ بإثبات النبوة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - ورسالته لهداية الخلق ودعائهم إلى الله، إذ هي تالية الشهادتين، وموضعها من الترتيب بعدما تقدم لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدمات من باب الواجبات، وهنا كمل تراجم العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه تعالى، ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فصرح بالصلاة ثم رتبها بعد إثبات النبوة؛ إذ معرفة وجوبها من جهته - صلى الله عليه وسلم - لا من جهة العقل، ثم الحث والدعاء إلى الفلاح، وهو البقاء في النعيم. وفيه الإشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر تراجم العقائد الإسلامية، ثم تكرر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشرع فيها للحاضر ومن قرب، وفي طي ذلك تأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان، وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حق من عبده، وجزيل ثوابه على عبادته".

<<  <  ج: ص:  >  >>