يغسلَها ثلاثًا، إذا قام من نوم الليل أو إذا قام من النوم مطلقًا، الأول: عند الحنابلة في روايةٍ، والآخر: عند أهل الظاهر.
إذًا، لماذا اتَّجَه جمهور العلماء إلى أن الحديث لا يدل على الوجوب، وأن النهي في رواية مسلمٍ أيضًا ليست دليلًا على التحريم؟
قالوا: لأنَّ الجملةَ التعليلية التي جاءت بعد ذلك تدلُّ على عدم الوجوب، قالوا: لأن الذي ورد فيها العلة لم تأتِ مقطوعًا بها، وإنما جاءت بصيغة الشَّكِّ:" فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ "، معنى هذا أن علَّة المنع هو الشكُّ. قالوا: والشكُّ لا يقتضي وجوبًا في الحكم استصحابًا لأصل الطهارة.
وأريد أن أُنبِّه أنَّ العلماءَ مجمعون من حيث الجملة على أن غسلَ اليدين قبل إدخالهما الإناء مستحبٌّ مطلقًا وإنْ لم يكن من النوم، هذا من حيث الجملة، لكن من حيث التفصيل فقَدْ رأيتم الخلاف، وكل الَّذين وصفوا وضوءَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عثمان بن عفان المتفق عليه، وفي حديث عبد الله بن زيد، وفي حديث عليٍّ الذي في السُّنن وهو صحيح، كلها ذكرت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعَا بإِنَاءٍ، فأفرغَ على يدَيه، فغَسل كفَّيه ثلاث مراتٍ، ثمَّ أَدْخَلهما في الإناء … ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - قائمًا من نومه.
قَالَ الجُمْهور:" فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ". قالوا: التَّعليلُ هنا مَشْكوكٌ فيه، والشَّكُّ هنا ينقل الحُكْمَ من الوُجُوب إلى غَيْره، قَالوا: لأنَّ الشَّكَّ لا يَقْتضي وُجُوبًا في الحكم، يَعْني: لا يَقْتضي وُجُوبَ الحكم؛ استصحابًا لأصل الطهارة، فالأصل في المؤمن أنه طاهر، لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام- قال:" إنَّ المؤمن لا ينجس "، وكَوْنه قام من النَّوم فَهَذا لا يدلُّ على نجاستِهِ.
يَقُولُ الإمامُ الشافعيُّ رَحَمِهُ اللهُ في تعليل هذا الحديث: إن أهل الحجاز بلادهم حارةٌ، وكانوا يقتصرون على الاستجمار. يعني: كانوا يستنجون بالحِجَارَةِ -يعني: يُطْلق الاستنجاء على الاستنجاء بالماء، وعلى الاستنجاء بالحجارة، وبعضهم يغلف فيقول: الاستجمار بالحجارة، وهذا