للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: ثم إن بعضَ أهل العلم يضيف إلى ذلك تعليلًا آخر فيقول: الأذان كما هو معلوم يشتمل على الثناء على الله -سبحانه وتعالى-؛ إذ فيه تكبير الله - عز وجل -، وفيه أيضًا ذكر للشهادتين من توحيد لله -سبحانه وتعالى-، أولًا: (شهادة ألا إله إلا الله) ثم شهادة أن محمَّدًا رسول الله، كما فيه دعاء إلى الصلاة (حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح)، فقد اشتمل إذن على ذكْرٍ ودعاء وثناء وتوحيد، وإن أحسن أحوال الذاكر الداعي أن يكون متجهًا إلى القبلة، ومنه فلا شكَّ أن التوجه إلى القبلة مطلوب.

فإذا أذَّن إنسان إلى غير القبلة فقد خالف السنَّة في ذلك، ولا يعتبر أذانه باطل، لكن لا ينبغي أيضًا للمؤذن أن يتجه إلى غير القبلة.

• قوله: (وَالخَامِسَةُ: هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا أَمْ لَا؟).

أي: هل من شرط الأذان أن يكون المؤذِّن في حالة أذانه قائمًا أو يجوز له الجلوس، والذي ورد في ذلك أن المؤذنين كانوا يؤذنون قيامًا، وقد ورد عن أبي زيد الأنصاري الصحابي الجليل - رضي الله عنه - أنه أذَّن قاعدًا (١)، لكن ذلك لأنه أصيبت رجله في الجهاد في سبيل الله، وأهل العلم أيضًا متَّفقون على أنه لو أذَّن الإنسان جالسًا فأذانه صحيح، لكنَّه خالف السنة، فالسنة في ذلك أن يؤذِّن الإنسان قائمًا (٢)، والدليل: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال - رضي الله عنه - لما رأى عبد الله بن زلد الأذان وحكى الرؤية: "قُم فأذِّن" (٣)، وفعل الأمر (قُم) القصد به أن يؤذِّن قائمًا، كما أن المؤذنين كانوا يأذِّنون قيامًا في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفي زمن خلفائه - رضي الله عنهم -، ولو أذن المؤذن جالسًا صحَّ، لكنه خلاف السنة.


(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٧/ ٢٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٥٧٧)، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٢٥).
(٢) مذهب الحنابلة: "دقائق أولي النهى" للبهوتي (١/ ١٣٥) حيث قال: " (و) يسن (كونه قائمًا فيهما)، أي: الأذان والإقامة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لبلال: "قم فأذن"، وكان مؤذِّنو النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنون قيامًا والإقامة أحد الأذانين (فيكرهان)، أي: الأذان والإقامة (قاعدًا)، أي: من قاعد (لغير مسافر ومعذور) لمخالفة السنة".
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>