للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الحالة الأولى: فهي حالة اشتداد الخوف، كخوف العدو أو السبع، أو خشية الهلاك بالحريق أو السيل أو غير ذلك، فإنه في مثل هذه الأحوال يصلي إلى القبلة وغيرها يومئ إيماءً.

وأما الحالة الثانية: فصلاة المسافر تطوعًا على الراحلة أو في السيارة أو السفينة أو الطائرة.

وهاتان المسألتان محلُّ اتفاقٍ بين العلماء من حيث الجملة، وإن وقع الخلاف بينهم في بعض فروعها، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في محلِّها.

والكلام عن القبلة مرتبط بعدة مسائل نذكر منها:

الأولى: ذكر العلماء أن أول نسخ في القرآن كان في حكم القبلة (١)؛ إذ أن القبلة كانت في أول الأمر إلى بيت المقدس حين فرضت الصلاة بمكة، وظل الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه على ذلك ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا كما ورد في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - المتفق عليه (٢)، على أن من العلماء مَن يرى أن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت بمكة إلى الكعبة (٣)، وكانت هي قبلة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحوَّل إلى بيت المقدس ليتألف اليهود رغبة في دخولهم في الإسلام، لكنهم لما بقوا على عنادهم وأسروا على كفرهم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى السماء، وكان يحب أن يُحولَ إلى الكعبة، فحصل ذلك كما هو معلوم من الأخبار الصحيحة الثابتة (٤).


(١) أخرجه القاسم بن سلام في "الناسخ والمنسوخ" (ص ١٨)، وأبو بكر الهمداني في "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص ٦٣) من طريق ابن عباس قال: "أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة … ".
(٢) أخرجه البخاري (٣٩٩)، ومسلم (٥٢٥).
(٣) يُنظر: "انتقاض الاعتراض" لابن حجر (١/ ٨٣) حيث قال: "وقيل: إنه كان يصلّي وهو بمكة إلى الكعبة، فلما تحول إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس، وهذا ضعيف؛ إذ يلزم منه النسخ مرتين، والأول أصح؛ لأنّه يجمع القولين".
(٤) ومن تلك الأخبار الثابتة ما أخرجه البخاري (٣٩٩)، ومسلم (٥٢٥) من حديث =

<<  <  ج: ص:  >  >>