للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} وإن كان ظاهره للمستقبل إلا أنه في هذا الموضع مُستعمل للماضي؛ لأن الآية نزلت والسفهاء قد قالوا ذلك، وفائدة الإتيان بالمستقبل موضع الماضي للدلالة على استدامة ذلك، وأنهم سيستمرون على ذلك القول، وهذا المعنى معروف في كلام العرب.

واختُلف في السفهاء على أقوال:

- قيل: هم اليهود، وذلك أنهم قالوا: إن محمدًا قد التبس أمره وتحيَّر.

- وقيل: هم مشركو قريش لما أنكروا تحويل القبلة، وقالوا: قد اشتاق محمد إلى مولده وأبى إلا الرجوع إلى موافقتنا.

- وقيل: هم المنافقون، لحرصهم على الطعن والاستهزاء (١).

و"السفهاء": جمع سفيه وهو خفيف العقل، يقال: ثوب سفيه إذا كان نسجه خفيفًا (٢)، وإنما سماهم الله -سبحانه وتعالى- سفهاء؛ لأنهم اعترضوا على حكمه، ولذلك قال الله - عز وجل -: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ١٤٢]، فإذا كان -سبحانه وتعالى- هو الذي يملك المشرق والمغرب وما بينهما، فله أن يأمر بالتوجه إلى أيِّ جهة شاء؛ لأنه هو المتصرف في ذلك وهو الحاكم والمهيمن عليه.

الرابعة: أنه إذا أطلق المسجد الحرام في الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية؛ فالصحيح أنه لا يخرج إطلاقه عن واحد من معان أربعة:


(١) يُنظر: "تفسير الراغب الأصفهاني" (١/ ٣٢٧) حيث قال: "وهؤلاء السفهاء المنكرون لتغيير القبلة: اليهود على ما ورد عن ابن عباس، ومشركو العرب عن الحسن، والمنافقون عن السدي، ولا تنافي بين أقوالهم، فكل قد عابوا وكل سفهاء".
(٢) "السفيه": الخفيف العقل من قولهم: تسفهت الرياح الشيء إذا استخفته فحركته. وقال مجاهد: "السفيه الجاهل والضعيف الأحمق"؛ والسفه: الخفة. وثوب سفيه لهله سخيف. يُنظر: "لسان العرب" لابن منظور (١٣/ ٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>