للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة وخرج ولم يصلِّ، ثمَّ صلى ركعتين قبل الكعبة، ثم قال: "هذه القبلة" (١).

قالوا: إن الإشارة في قوله: "هذه القبلة" دليل على أن عين الكعبة هي المطلوبة في الصلاة، وهي القبلة التي ستبقى إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومَن عليها.

قالوا: إنه مع البُعد تحصل المسامتة، وأجيب: بأن هذه حقيقة غير مسلم بها، نعم تحصل المسامتة إذا حصل تقوُّس في الصَّف، لكن إذا كانوا كلهم على خطٍّ ونسقٍ واحد فلا يمكن أن تحصل.

وأما جمهور العلماء فيقولون إنَّ هذه الآية فيها دلالة على أن المطلوب هي الجهة؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قال: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤]. ثم قال: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤]، فالمقصود من الشطر في الآية الأولى هو الشطر في الآية الثانية وهو الجهة، ولم يرد ذكر للعين.

واستدلُّوا على ذلك بعدة أمور منها:

- أن الممكن في استقبال القبلة إنما هو الجهة، أمَّا استقبال العين فأمر يصعب الوصول إليه - كما ذكر المؤلف - إلا أن يحصل صدفة أو أن يكون في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه يأتيه الوحي فلا يقاس غيره عليه، أو أيضًا مواضع يقولون صلى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما هو رأي لبعض العلماء.

- أن الصف الطويل قد يمتدّ لمئات الأمتار، وكلُّهم يتجهون نحو جهة واحدة، ولا يمكن أن يصيب كلهم عين القبلة، ومع ذلك فصلاتهم صحيحة بالإجماع (٢).


(١) سبق تخريجه.
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "فتح القدير" للكمال ابن الهمام (١/ ٢٦٩) حيث قال: "ومن كان غائبًا ففرضه إصابة جهتها هو الصحيح؛ لأن التكليف بحسب الوسع".=

<<  <  ج: ص:  >  >>