للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)} [النساء: ٢٨]، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يسِّروا ولا تعسِّروا، بشِّروا ولا تنفِّروا" (١)، ومن القواعد الكلية التي قامت عليها الأحكام الشرعية: قاعدة رفع الحرج، وقاعدة التيسير، وقاعدة مراعاة المصالح، ولذلك كان مذهب الجمهور هو المذهمب الصحيح؛ لأنه الذي يلتقي مع روح الشريعة وقاعدتها الكلية.

قوله: (فَإِنَّ إِصَابَةَ العَيْنِ شَيْءٌ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِتَقْرِيبٍ وَتَسَامُحٍ بِطَرِيقِ الهَنْدَسَةِ، وَاسْتِعْمَالِ الأَرْصَادِ فِي ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِغَيْرِ ذَلِك مِنْ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ وَنَحْنُ لَمْ نُكَلَّفْ الِاجْتِهَادَ فِيهِ بِطَرِيقِ الهَنْدَسَةِ المَبْنِيِّ عَلَى الأَرْصَادِ المُسْتَنْبَطِ مِنْهَا طُولُ البِلَادِ وَعَرْضُهَا).

ما ذكره المؤلف من أن المصلي غير مكلَّف بالاجتهاد في معرفة القبلة بواسطة الهندسة والأرصاد هو الصواب، إذ لا دليل على التكليف بذلك، على أنه إن أمكنه التوجّه إلى عين الكعبة بواسطة ذلك فذلك أفضل.

ويجدر بنا التنبيه لمسألة بطلان الصلاة أو صحتها لمن اجتهد في معرفة القبلة فصلَّى ثم تبيَّن لى وهو يصلي أنه قد أخطأ القبلة، فأما على مذهب الجمهور فلا تبطل صلاته (٢)، وإنما يتحوَّل إلى القبلة قياسًا على الذين تحوَّلُوا في مسجد قباء وفي مسجد القبلتين؛ لأن أولئك نزل تحويل القبلة قبل أن يصلوا هذه الصلاة ومع ذلك لم يأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعادة


(١) أخرجه البخاري (٦٩)، ومسلم (١٧٣٤) من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٢) مذهب الحنفية، يُنظر: "العناية شرح الهداية" للبابرتي (١/ ٢٧٢) حيث قال: "فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها".
ومذهب المالكية، يُنظر: "التاج والإكليل" لأبي عبد الله المواق (٢/ ١٩٩) حيث قال: "لو علم في الصلاة أنه انحرف يسيرًا عن القبلة فلينحرف إلى القبلة ويبني على الصلاة ولا يقطعها".
ومذهب الحنابلة، يُنظر: "الإنصاف" للمرداوي (٢/ ١٧) حيث قال: "ومَن صلى بالاجتهاد ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>