فالذين قالوا: واجبة من قيام الليل، ذَكَر المؤلف أن دليله هو لفظ:" البيات "، والصحيح أنه بالإضافة إلى هذا أنه ورد حديث أيضًا:" إذَا استيقظَ أحدُكُم من النوم ليلًا "، فنصَّ على نوم الليل، والآخرون أهل الظاهر أخذوا بلفظ:" الليل ".
فالجُمْهورُ قالوا: هناك ما يَصْرف الأمرَ والنهيَ عن وجهيهما، وهو الجملة التعليلية " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ "، فيقولون: دائمًا الحكم يُبْنى على علةٍ، فالحكمُ يُقرَّر لوجود عِلَّةٍ، هذه العلَّة غير مَقْطوعٍ فيها، إذًا الحكم هنا مشكوكٌ، فيه، إذن لا ينبغي أن نَقُولَ بوجوبه؛ لأن القول بالوجوب يحتاج إلى دليلٍ قاطعٍ، والدليلُ هنا غير قاطعٍ؛ لأنَّ العلَّة هنا مترددةٌ، ولذلك قال الشافعي رَحَمِهُ اللهُ:" إن بلاد الحجاز كَانت حارة "، فعلَّل ذلك التعليلَ المعروفَ.
إذًا، الأقوالُ ثلاثةٌ:
١ - قولٌ يرى أنها سُنَّة، يعني: غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء سُنَّةٌ.
٢ - وقولٌ يرى وُجُوبَ ذلك مطلقًا، عملًا بروايات هذا الحديث:" فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا الإِنَاءَ ".
٣ - ومنهم مَنْ فَهم من ذلك أن المقصودَ هو نوم الليل، أولًا: من لفظ " البيات "، وثانيًا: لوُجُود بعض الروايات وإن لم تكن في " الصحيحين ": " إذا استيقظَ أحدُكُم من النوم ليلًا ".
أيهم الأحوط للمسلم في هذا؟
لا شكَّ أن الأحوط أيضًا في هذا المقام هو أن يغسل يديه، فحتى لو قلنا بأنها مستحبةٌ، فقد يُتَسامح أيضًا في هذا الأَمْر، ويُتَساهل فيه، وخصوصًا أنه ورد حديث:" إذا استيقظ أحدكم من النوم ليلًا "، وفي روايةٍ أُخرى:" إذا استيقظ أحدُكُم من نوم الليل "، إذًا: معناه نوم الليل، كما ورد التصريح في بعض الروايات، وفي رواياتٍ حسَّنها بعض العلماء.