للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق في المسألة: ما ذهب إليه الجمهور من أن ستر العورة -على الجملة- شرط من شروط صحة الصلاة، وإن كانوا مختلفين في تفصيل ذلك، وسيأتي بيان أدلة الفريقين، وتفصيلات المذاهب في ذلك.

قوله: (وَسَبَبُ الخِلَافِ فِي ذَلِكَ: تَعَارُضُ الآثَارِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي مَمهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]، هَلِ الأَمْرُ بِذَلِكَ عَلَى الوُجُوبِ، أَوْ عَلَى النَّدْبِ؟ فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الوُجُوبِ قَالَ: المُرَادُ بِهِ سَتْرُ العَوْرَةِ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ كَانَ أَنَّ المَرْأَةَ كَانَتْ تَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانَةً، وَتَقُولُ: اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كلُّهُ … وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ العَامٍ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى النَّدْب قَالَ: المُرَادُ بِذلِكَ الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ مِنَ الرِّدَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَلَابِسِ الًّتِي هِيَ ؤِينَة، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ "كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَاقِدِي أُزُرِهُمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، وَيُقَالُ لِلنِّسَاءِ: لَا تَرْفَعْنَ رُؤُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا" (١).

انتقل المؤلف رَحِمهُ اللهُ إلى بيان سبب الخلاف في المسألة، وذكر شيئًا من الأدلة التي استدلَّ بها كل فريق، وما وقع من اختلاف الأنظار في توجيه تلك الأدلة، وفيما يلي بيان لكل ذلك:

أما الجمهور -وهم القائلون بأن ستر العورة شرط صحَّة في الصلاة- فاستدلوا بما يلي:

أولًا: من الكتاب: قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [الأعراف: ٢٦].


(١) أخرجه البخاري (٣٦٢)، ومسلم (٤٤١) من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنهما -".

<<  <  ج: ص:  >  >>