للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب عنه: بأنه قد ورد في رواية مسلم لفظ: (وانحسر) (١) بد - رضي الله عنه -: (حسر)، والفرق ظاهر بين اللفظتين، أي: أن ذلك كان عن غير قصد منه - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال الجمهور: إن حديث أنس قضية عين لا يمكن أن يقاس عليها (٢).

ومما استدلَّ به القائلون بعدم الوجوب كذلك ما جاء في "الصحيحين" من حديث سهل - رضي الله عنه - -وقد أورده المؤلف -رَحِمهُ اللهُ- أنه قال: "كان رجال يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويُقال للنساء: لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسًا" (٣). قالوا: فقوله: (لا ترفعن رؤوسكن إلخ)، أي: لا تعجلن برفع رؤوسكن لأجل أن لا تقع أبصاركن على عورات الرجال التي قد تبدو بسبب أنهم كانوا يصلون في أثواب يلتفون بها ويربطونها في أعناقهم، فالحديث إذن دليل على أنه لا يجب ستر العورة، والحديث أيضًا دليل للذين يقولون بالتجاوز عن خروج بعض العورة.

وأصرح منه في الدلالة على عدم وجوب الستر حديث عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - وفيه أنه قال: كنا بماء مَمَرِّ الناس، وكان يمرُّ بنا الركبان فنسألهم: ما للناس ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أو: أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يقرُّ في صدري، وكانت العرب تلوَّم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلمَّا كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال:


(١) أخرجه مسلم (١٣٦٥).
(٢) يُنظر: "عمدة القاري" لبدر الدين العيني (٤/ ٨١) حيث قال: "وأما الجواب عن حديث أنس فهو أنه محمول على غير اختيار الرسول فيه بسبب ازدحام الناس، يدلُّ عليه ركبة أنس فخذه. وقال القرطبي: ويرجح حديث جرهد، وهو أن تلك الأحاديث المعارضة له قضايا معينة في أوقات وأحوال مخصوصة، يتطرق إليها الاحتمال ما لا يتطرق لحديث جرهد".
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>