للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخيه وسيلة فيأبى، فيَطْلبها بقيمتها فيأبى، إذًا في هذه الحال

إذا لم تكن إلَّا الأسنة مَرْكبًا … فما حيلة المضطر إلا ركوبها (١)

والله تعالى يقول: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥]، وهو يكاد أن يهلك، فلذلك له أن يأخذ ما يُنجيه حتى ولو بالقوة أو المقاتلة.

وكذلك لا يَجُوز للمسلم أن يمنع أخاه من ذلك إلا إذا كان هو بحاجةٍ إليه مثله، حينئذ ليسر له أن يعتدي عليه، لأن هذه حاجة تساوي حاجة الآخَر، وهو صاحب الحق.

وقد عرفنا من أمثلة الصحابة -رضوان الله عليهم- في معركة أحُد معنى الإيثار، وكيف كان كل واحد منهم يحيل الماء على صاحبه، وهذا ما جاءت به هذه الشريعة؛ لذلك يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩].

أما حكم الصلاة في الثياب المغصوبة، فاختلف العلماء في حكمها كما اختلفوا في حكم الصلاة في الدار المغصوبة.

فالصَّلاة في ثوب مغصوب للرجال والنساء صحيحة على قول جماهير العلماء، حيث يرَوْن أنَّ الجهة هنا منفكة، فيقولون: إنه ارتكب محرمًا؛ فهو آثم به، لكن الصلاة أمرٌ آخَر؛ لأنه مُطَالب بها، وهي ركن من أركان الإسلام من جانبٍ آخر، وقد أدى ما وَجَب عليه، وارتكب ما نُهِيَ عنه؛ فيعاقب من حيث الغصب، أما الصلاة، فقد أدَّى ما وَجَب عليه (٢).


(١) بيت شعر من الطويل للكميت بن زيد، وهو في "جمهرة أشعار العرب "، لأبي زيد (ص ٧٩٠)، و"الشعر والشعراء"، لابن قتيبة (٢/ ٥٦٨).
(٢) انظر في مذهب الأحناف: "الجوهرة النيرة"، للحدادي (١/ ٤٦)، وفيه قال: "وإنْ صلى في ثوب مغصوب أو توضأ بماء مغصوب أو صلى في أرض مغصوبة، فصلاته في ذلك كله صحيحة".
وانظر في مذهب المالكية: "مناهج التحصيل "، للرجراجي (١/ ٣٥٩)، وفيه قال: "كمَنْ صلَّى بثوب مغصوب، فإن صلاته تجزئه ". وانظر: "التاج والإكليل "، لمواق (٢/ ١٩٣) ".

<<  <  ج: ص:  >  >>