للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك علماء دَقَّقوا في أمر الغصب، فقالوا: لو أن إنسانًا غصب أرضًا، ثم بعد ذلك أراد التوبة، وتذكر قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتطع شبرًا من الأرض، طوقه الله بسبع أرضين يوم القيامة"؛ وأراد أن يخرج منها؟

الجواب: بعضهم يتشدد، ويقول: هو آثم، رغم هذه الخطوات التي يمضيها تائبًا عائدًا إلى الله، وهذا قول ضعيف .. والصحيح قول عامة العلماء أنه لا يأثم، لأنه تاب، وبتوبته سيرد الحق لصاحبه. ويقول بعضهم أيضًا: لو غصب شيئًا، وحمَلَه على رأسه حتى يوصله إلى صاحبه، فهو آثم؛ لأنه قدر أن يوصله، وهذا أيضًا رأي ضعيف (١).


= وانظر في مذهب الشافعية: "التنبيه في الفقه الشافعي"، للشيرازي (ص ٢٩)، وفيه قال: "ولا تحلُّ الصلاة في أرض مغصوبة، ولا ثوب مغصوب، ولا ثوب حرير، فإن صلى لم يعد". وانظر: "تحفة المحتاج "، لابن حجر الهيتمي (٢/ ١١٧).
وفي مذهب الحنابلة روايتان، والمشهور فساد الصلاة، انظر: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (١/ ١٥٢)، وفيه قال: " (ومَنْ صلى في غصب) أي مغصوب عينًا أو منفعة، ومثله مسروق ونحوه، وما ثمنه المعين حرام (ولو) كان المغصوب (بعضه) مشاعًا أو معينًا، في محل العورة أو غيرها؛ لأنه يتبع بعضه بعضًا في البيع (ثوبًا) كان المغصوب كله أو بعضه (أو بقعة) لم تصح ". وانظر الروايتين في "الروايتين والوجهين "، لأبي يعلي الفراء (١/ ١٥٨).
(١) اتفق الفقهاء على قبول توبة الغاصب بشرط أن يعيد ما غَصَبه إلى صاحبه.
انظر في مذهب الأحناف: "حاشية منحة الخالق على البحر الرائق "، لابن عابدين (٢/ ٣٦٤)، وفيه قال: "فمنْ غصب شيئًا، ثم تاب، لا تتم توبته إلا بضمان ما غصب، والمراد من قولنا: لا تتم توبته إلا بفعل الواجب أنه لا يخرج عن عهدة الغصب في الآخرة إلا بذلك، وإلا فلو غصب وتاب عن فعل الغصب المذكور وحبس الشيء المغصوب عنده، ومنع صاحبه عنه، وقد عزم على رده إلى صاحبه، تصح توبته وإن بقيت ذمته مشغولةً به إلى أن يرده إلى صاحبه، فحِينَئذٍ تتم توبته بمعنى أنه يخرج عن عهدته من كل جهة".
وانظر في مذهب المالكية: "الفواكه الدواني "، للنفراوي (٢/ ١٧٥)، وفيه قال: " (والغاصب)، وَهُوَ الذي يأخذ المال من صاحبه قهرًا عليه على وجه التعدي، (ضامن لما) أي لكل شيءٍ (غصب)، ومعنى ضمانه تعلق الضمان به لا أنه تضمنه بالفعل بدليل قوله: (فإن رد) الغاصب (ذلك) الذي غصب قائمًا (بحاله) أَيْ: لم يتغير بنقص في بدنه، إذ لا تعتبر حوالة أسواقه. (فلا شيء عليه) لربه، وإنما يجب=

<<  <  ج: ص:  >  >>