للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَيْسَ معنى ذلك أن يأتي أَحَدٌ إلى حديث مثل: "البَذَاذة من الإيمان " (١)، ويفهمه على أن الثياب المقطعة أو المُتَّسخة من الإيمان، لكن المقصود أن الإنسان يَتَواضع في لباسه (٢).

وَسَوْف يأتي معنا في "باب الجُمُعة" أن الذين كانوا يشتغلون في الحدادة وغيرها، كانوا يؤمرون بالنظافة وتغيير الملابس؛ ولذلك لمَّا اختلف العلماء في حكم غسل الجمعة، قال أهل الظاهر بوجوبه، وقال الأئمة الأربعة وغيرهم بعدم وجوبه (٣)، ثم وجدنا أن حديث عائشة حسم الخلاف، فقالت: "كان الناس عمال أنفسهم، فيأتون من أعمالهم بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم" (٤). والعمال منهم الجزار، فيأتي والدماء في ثوبه، ويأتي الحداد وريح الكير تملؤه … وهكذا؛ لأن المُصلِّين يتأذّون من ذلك.

ولذلك، قَالَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا" (٥)، مع ما فيها من فوائدَ، فما بالك بشرب الدخان الذي


= وانظر في مذهب الحنابلة: "مطالب أولي النهى"، للرحيباني (١/ ٣٢٨)، وفيه قال: " (من شروط الصلاة)، فلا تصحُّ صلاة مكشوفها مع القدرة على سترها" لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} ".
(١) أخرجه ابن ماجه (٤١١٨)، عن عبد الله بن أبي أُمَامة الحارثي، عن أبيه، قال: قال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "البذاذة من الإيمان "، قال: البذاذة: القشافة، يعني التقشف .. وصححه الأَلْبَاني في "السلسلة الصحيحة" (٣٤١).
(٢) قال ابن بطال: "والمراد بهذا الحديث -والله أعلم- بعض الأوقات، ولم يأمر بلزوم البذاذة في جميع الأحوال لتتفق الأحاديث، وقد أمر الله تعالى بأخذ الزينة عند كل مسجد، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باتخاذ الطيب، وحسن الهيئة واللباس في الجمع وما شكل ذلك من المحافل ". انظر: "شرح صحيح البخاري" (٩/ ١٦٤).
(٣) سيأتي الكَلام عنها عند قول المصنف حُكْم طهر الجُمُعةِ.
(٤) أخرجه البخاري (٩٠٣)، واللفظ له، ومسلم (٨٤٧)، عن يحيى بن سعيد: أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة، فقالت: قالت عائشة -رضي الله عنهما-: "كان الناس مهنة أنفسهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة، راحوا في هيئتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم ".
(٥) أخرجه البخاري (٥٤٥٢)، واللفظ له، ومسلم (٥٦٤/ ٧٣)، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما:=

<<  <  ج: ص:  >  >>