للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا مسألة أُخرى: أنَّ النهي عن ثوب الحرير ليس مُطلقًا، فهناك أثواب ليست حريرًا، لكن فيها شيءٌ من الحرير، وهذه مستثناة في حديث عمر: "إلا موضع إصبع أو ثلاثة أو أربع" (١).

وَعَلَيه، استثنى العلماء مَنْ فيه حَكَّةٌ أو مرضٌ من الأمراض التي تتطلب لبس ثوب ناعم رقيق (٢)، أو كان في حرب (٣)، ونحو ذلك؛ لأننا نجد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رخَّص للزُّبير وعبد الرحمن بن عوف أن يلبسا الحرير، وهذا لا يخصهما، بل على إطلاقه (٤).

تبقى معنا قضية أُخرى فرع عن هذه المسألة، وهي:

لو أن حائكًا (٥) (خياطًا) خاط خيطًا حريرًا لإنسان لا يجوز له لُبْسه، ولا عُذر لذلك الإنسان؟


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) سبقت هذه المسألة.
(٣) أنظر في مذهب الأحناف: "الدر المختار"، للحصكفي (٦/ ٣٥١)، وفيه قال: " (يحرم لبس الحرير ولو بحائلٍ) وهي رخصة عظيمة في موضع عمت به البلوى (أو في الحرب)، فإنه يحرم أيضًا عنده، وقالا: يحل في الحرب ".
وانظر في مذهب المالكية: "البيان والتحصيل "، لمحمد بن رشد (١٨/ ٦١٨)، وفيه قال: "واختلف أيضًا في إجازة لباس الحرير في الحرب، فأجازه جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك، لما في ذلك من المباهاة بالإسلام، والإرهاب على العدو، ولما يقي عند القتال من أدل وغيره من السلاح، فإن استشهد وهو عليه، نزع عنه على مذهب مَنْ لا يجيز له لباشه في الجهاد".
وانظر في مذهب الشافعية: "نهاية المحتاج "، للرملي (٢/ ٣٧٧)، وفيه قال: " (أو فُجَأءة حرب) جائز بضم الفاء وفتح الجيم والمد، وبفتح الفاء وسكون الجيم أي: بغتتها (ولم يجد غيره) يقوم مقامه للضرورة".
وفي مذهب الحنابلة روايتان، والمشهور الجواز. انظر: "كشاف القناع "، للبهوتي (١/ ٢٨٢)، وفيه قال: " (و) يباح لبس الحرير (في حرب مباح إذا تراءى الجمعان إلى انقضاء القتال ولو) كان لبسه (لغير حاجة)؛ لأنَ المنعَ من لبسه لما فيه من الخيلاء، وذلك غير مذموم في الحرب". وانظر: "الروايتين والوجهين"، لأبي يعلى الفراء (١/ ١٨٨).
(٤) سبق ذلك.
(٥) حَاكَ الثوب يَحوكُهُ حَوْكًا وحِياكةً: نسجَه. انظر: "الصحاح" للجوهري (٤/ ١٥٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>