للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا، الرسول -صلى الله عليه وسلم- صلَّى فيهما على أنهما طاهرتان، ولم يَخْلعهما إلا لما أخبره جبريل، فاقتدوا به دون أن يعلموا السَّبب؛ لأنه قدوتهم وأُسوَتهم، وهذا أيضًا مِمَّا يستدل به العلماء علَى أنه لا يُتكَلَّم في الصَّلاة، مع أنه له علاقةٌ بالصَّلاة.

ثمَّ أخْبَرهم بعد ذَلكَ بوُجُود قذرٍ فيهما، وهذا عمدة استدلال المالكية فيما يتعلَّق بعدم اشتراط الطهارة من النجاسة، مع أنه دليلٌ يرد عليه اعتراضٌ؛ لأنه في حالة مَنْ لم يعلم؛ ولذلك نجد أن مذهب المالكية طردت في هذا المذهب، فَمرَّةً قالوا: سُنَّة، وَمرَّةً قالوا: شرطًا، وثالثةً فرقوا بين القادر وغيره وبين المتعمد (١).

وَتَفْصيل المالكيَّة في استدلالهم بهذا الحديث: أنَّ الطهارَةَ لو كانت شرطًا، لاستأنف الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، لكنه بَنَى على ما كان منه واستمرَّ، فكونه لَمْ يقطع صلاته، ولم يبطلها دليلٌ على أنَّ الطهارة مِنَ النجاسة ليست شرطًا، إذْ لو كانت شرطًا لَمَا استمر في صلاته (٢).

وناقش الجمهورُ المالكِيَّةَ في أن فيهما قذرًا، والقذر قد يحمل على ما تَسْتقذره النفس، فالبصاق ليس نجسًا، ومع ذلك أيضًا تَسْتقذره النفس (٣)،


(١) سبق بيان هذا.
(٢) وهَذَا هو قول عند المالكية، لكن المشهور عنهم ما سبق، إما أنْ يعيدَ في الوقت، أو يعيد أبدًا.
انظر هذا القول في: "الإشراف على نكت مسائل الخلاف "، للقاضي عبد الوهاب (١/ ١٣٩)، وفيه قال: "ودليلنا على أنه إذا صلى بها ساهيًا أو مع عدم العلم، أجزأه خلافا للشافعي. ما روي أنه عليه السلام (صلى ثم وجد في ثوبه لمعةً من دم، فَصَرَّهُ وأنفذه ليغسل)، ولم ينقل أنه أعاد، ولا أنه أمرهم بالإعادة. وُيرْوَى أنه عليه السلام خلَع نَعْليه في الصلاة، فخلع الناس نعالهم، فلمَّا فرغ قال: "ما بَالكُمْ خَلَعتم؟ ". قالوا: رأينَاك خلعتَ فخلعنا، فقال: "إنَّ جبريل أخبرني أن فيهما قذرًا"، ويُرْوى: "نجسًا" موضع الدليل أنه بنى، ولم يقطع مع العِلْم بها".
(٣) انظر: "التهذيب في فقه الإمام الشافعي "، للبغوي (٢/ ٢٠١)، وفيه قال: "ومَنْ قال بالإعادة، حَمَل ذلك الأذى على ما يَسْتقذره الإنسان من الطاهرات كالنُّخامة ونحوها، أمر بمسحه تنزيهًا للمسجد عنها".

<<  <  ج: ص:  >  >>