للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يعمُّ كل رائحة كريهة، حتى رائحة الإبط في الإنسان إذا كانت تؤذي الناس، فيَدْخل صاحبها في النهي عن إتيان المسجد في هذه الحال، ولا ينبغي للإنسان أن يأكل ليتخذ الأكل ذريعةً لاعتزال المسجد، لكن هذا قد يُقدَّر عليه، ولا يجد أكلًا غيره، وهذا كلام النبي عن المباح، فما بالك بما حَرُم كالدخان، مع ما فيه من إضَاعة النَّفْس والمَال؛ فلا ينبغي على المؤمن أن يكون مؤذيًا.

كلُّ هذه أحكام عامة وضعها الفقهاء، وعمَّموا بها كل ما يؤذي ويضر؛ انطلاقًا من حديث: "لا ضررَ، ولَا ضرارَ" (١).

قوله: (فَذَهَبَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ).

نتعرف مِن خلال هذه النصوص والمذاهب -في جواز أو النهي عن الصلاة في بعض الأماكن- على سماحة الشريعة التي قامت علَى اليُسْر؛ فكل شيءٍ لا يترتب عليه مخالفة لشرع الله في أمر عقدي أو تعبُّدي، فإن الشريعة أَجَازته، وحتى بعض الأمور التي هي من أنوَاع الحبادة إذا ترتَّب عليها ضررٌ يلحق المخلوق؛ فإنَّ الله سُبْحانه وتعالى، يُخفِّف عنه ذلك الحكم، ويَنْقله إلَى ما هو أيسر منه.

قوله: (أَحَدُهَا: مَذْهَبُ التَّرْجِيحِ، وَالنَّسْخِ. وَالثَّانِي: مَذْهَبُ البِنَاءِ، أَعْنِي: بَنَى الخَاصَّ عَلَى العَامِّ).

مَذْهب الترجيح أو النسخ يعني: الأخذ بالأحاديث التي في "الصَّحيحَين"؛ دون النظر إلى غيرها؛ لأنها نُسخَت بما في "الصَّحيحَين"، فَنَقول: تصحُّ الصلاة في كلِّ مكانٍ، هَذَا قولٌ (٢).


= أكل من هذه الشجرة، فلا يقربن مصلانا"، وبنحوه أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٠٣٥٢)، وهو حسنٌ لغيره، كما قال الأرناؤوط.
(١) أخرجه ابن ماجه (٢٣٤٠)، عن عُبَادة بن الصامت أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى أَنْ "لا ضرر ولا ضرار"، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (٨٩٦).
(٢) أي: ترجيح العُمُوم على الخصوص، والقضاء بصحة الصلاة في كل مكان بما فيها المقابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>