للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُعْطي على سَبيل الصدقة، وقَدْ يكون على سبيل القرض أو التبرُّع، وقَدْ يكون على سبيل غرضٍ كرشوةٍ ونحوها؛ فالذي يميز ذلك كله النية.

وقَدْ يجاهد الإنسان حَمِيَّةً أو عصبيةً، وهذا قد وقع في زَمَن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قصة الرجل الذي امتنع، ثم وجد يتشحط بدمه (١)، فذكرت قصته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "هو في النار"، فتعجبوا، فرجعوا فوجدوه في آخر رمقٍ من حياته فسألوه، فبين أنه قاتل عصبيةً (٢).

ولذلك، جاء في الحديث الصحيح: "مَنْ قاتلَ لتكون كلمة الله هي العليا، فَهو في سبيل الله، ومَنْ يقاتل حميةً أو عصبيةً، فهذا لا ينفعه إنما يهوي به في النار" (٣).

كذلك قَدْ يصلي الإنسان صلاةً ينوي بها وجه الله - صلى الله عليه وسلم -، وطلب الثواب منه؛ فيُثَاب، وقد يُصلِّي رياءً وسمعةً، وقد يكون في عبادةٍ، فيراه أحدٌ فيُزيِّنها لأجله؛ وهنا يكون قد خلط عملًا صالحًا بعملٍ سيئٍ، ولذلك


(١) "يتشحط في دمه" أي: يتخبط فيه ويضطرب ويتمرغ. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٤٤٩).
(٢) أخرج البخاري (٤٢٠٧)، واللفظ له، ومسلم (١٢/ ١٧٩)، عن سهل، قال: التقى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - والمشركون في بعض مغازيه، فاقتتلوا، فَمَال كل قومٍ إلى عسكرهم، وفي المسلمين رجلٌ لا يدع من المشركين شاذةً ولا فاذةً إلا اتبعها فضربها بسيفه، فقيل: يا رسول الله، ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان، فقال: "إنه من أهل النار"، فقالوا: أينا من أهل الجنة إنْ كان هذا من أهل النار؟ فقال رجلٌ من القوم: لأتبعنه، فإذا أسرع وأبطأ كنت معه، حتى جرح، فاستعجل الموت، فوضع نصاب سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فجاء الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال: "وما ذَاكَ؟ "، فأخبره، فقال: "إنَّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإنَّه لمن أهل النار، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة".
(٣) أخرج البخاري (٧٤٥٨)، ومسلم (١٩٠٤/ ١٥٠)، واللفظ له، عن أبي موسى، قال: سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل حميةً، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قاتلَ لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله".

<<  <  ج: ص:  >  >>